الخميس، 6 أكتوبر 2011

الوطن المقهور: العرق والهوية في موريتانيا

د/علي الشيخ اباه احمد الطلبة 
كثيرة هي التحديات الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تواجه "الدولة" في موريتانيا، تحديات تشمل: العلاقات الاجتماعية ومكانة المرأة في المجتمع التقليدي و حتمية التفكك على خطوط العرق التي تهدد بفصل التاريخ والجغرافيا والوحدة الوطنية...
في هذا الإطار العام، نسعى إلي إثارة بعض التساؤلات حول العرق والهوية والإثنية في موريتانيا، هذه المفاهيم أو المصطلحات التي لازالت تقف حجر عثرة في وجه التنمية المستديمة في موريتانيا وتلقي بظلال كثيفة من الشك والغموض على مستقبل الوطن المقهور، موريتانيا...إن نقاش الخارطة العرقية وتناقض الهوية في الوطن يستدعي التسلح ببعض المفاهيم الاجتماعية والنظرية مثل نظرية "الفضاء البيني" التي تسمح بانصهار الكل في الكل قبل أن يذوب الجميع ليعطي شكلا للوطن الجديد بعيدا عن الحساسيات العرقية والجهوية والقبلية.... لأن المستقبل يتموقع في مكان ما بين السيطرة الاجتماعية وخطوط العرق الفاصلة....
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا غياب أي خطة استيراتيجية للحكومة في وجه هذه الاكراهات التي بدأت تطفوا على السطح من وقت لآخر وترتفع حدتها مع الوقت؟ أليست الحكومة هي المسئول الأول والأخير عن استقرار الوطن وزرع التفاهم والألفة والرحمة بين المكونات الأساسية بغض النظر عن اللون والعرق.....؟
منذ ولد الوطن خطأ في قلب الصحراء والكل يشهد له بالعبثية والتملق والنفاق السياسي والخذلان العسكري.  إننا نشاهد موريتانيا تتغلغل كل يوم في دائرة الضياع والتوتر الممنهج من حكومة يفترض بها محاولة خلق فضاء سياسي واقتصادي يصون الكرامة، كرامة كثيرا ما نسمع بها في الوطن المقهور لكننا لم نعشها يوما في ربوع تلك الصحراء الملعونة. هل كتب على موريتانيا الضياع منذ الأزل؟ إلي أين يتجه الوطن-مع تحفظي على استخدام التعريف قبل كلمة وطن- لأن الشعب لا يعرف ماذا يريد....؟
كنا-ولازلنا- نعيش منذ البدء على فوهة بركان تصطلي حممه تحت أقدام الحكومات المتعاقبة لتشوي وجوه وقلوب سكان "صحراء الملثمين"، ملثمون قرروا أن ينزعوا اللثام ليس من أجل أن يعرف بعضهم بعضا لعل الرحمة والسكينة تتنزل لتروي عطش الصحراء للسلام والوئام، بل أشاحوا الأغطية عن الوجوه التي "شاهت" من أجل زرع الفتن بين الأبيض والأسود، تذكي هممهم في ذلك أسوء حكومة عرفتها الصحراء منذ "رحيل" المستعمر: الحاضر-الغائب...
إن المتتبع لرعونة الحكومة في التعامل مع الأحداث التي تشهدها الساحة السياسية والاجتماعية في موريتانيا يرى حقيقة كالشمس في رابعة النهار مفادها أن الحكومة لا تريد حل المشاكل.... يتأكد لدينا يوما بعد يوم أن "العسكراتية" الحاكمة في وطن الضياع تريد تعقيد القضية وصب الزيت على النار وتكريس الطائفية والعرق والانفصام حول الهوية.....
قد يناقش البعض مستخدما "السفسطة" و "البيزنطية" أن هناك بعض الأجانب في موريتانيا وعملاء ممولين من الخارج لتحقيق أجندة لا تخدم الوطن، قد تشتم رائحة وعشم من الحقيقة في هذا الطرح لكنها لا ترقى إلي مستوى تجاهل الانقسام والظلم الحاصل في موريتانيا بسبب السياسات الظالمة والارتجالية المزيفة والسطحية التي يتسم بها جيل الجنرال من "الحرس القديم" المتجدد....
سقط الضحايا في مناطق مختلفة من الوطن لأنهم دافعو عن إحصاء ظالم للجميع وغير مبرر في دولة تحتاج أولا إلي تكريس الانتماء بمفهومه الواسع. مشكلتنا هي إن الأصنام السياسة التي سرقت الوطن منذ ميلاده لا تعرف الأولويات ولا تشعر بحجم الاكراهات المرحلية لأنهم بكل بساطة لا يعرفون سوى جيوبهم ولا يسمعون إلا صرير أمعائهم التي لا تشبع وأرواحهم التي لا تموت وأجسادهم مثل أفكارهم المحنطة.....
أرى أنه إحصاء على درجة من التطور والدقة التي لا تصلح للشعب الموريتاني في الظرفية الحالية. مثلا، عندما تحاول تتبع جذور كل عائلة من أجل أن تمنح كل شخص رقما وطنيا فهذه رفاهية وتنظيم مزيف. أعتقد أنه على الحكومة أن توقف الإحصاء وتبدأ بالزراعة أو الاقتصاد وحل المشاكل الاجتماعية بدل سكب الزيت على النار....
على سبيل المثال، منذ أسبوعين أو ثلاث كنت في موريتانيا والتقيت بالوالي المساعد حيث كنت مترجما بينه وبين بعض المنظمات غير الحكومية- بالمناسبة الوالي المساعد لا يتحدث العربية- وقد أكد لي أن الإحصاء فاشل لأنه لم يتجاوز عدد المسجلين فيه في نواكشوط سوى 7000 من اصل 900000 مواطن تقريبا في العاصمة. ومن المفارقة أن الوالي المساعد نفسه لم يسجل بعد في الإحصاء....
أعتقد ان حركة "لاتلمس جنسيتي" جاءت كردة فعل على أشياء لم تتضح بعد. ربما هناك خلفية لهذا الحراك الغريب والمتناقض قد تكشف عنها الأيام. إنها حركة جاءت على خطوات حركة الشباب في زمن الثورات وستخمد مع الأيام لكن البركان الاجتماعي والعرقي في موريتانيا يظل يغلي تحت الأقدام ومرشح للانفجار في كل وقت ما لم تقم الحكومة بخطوات جادة وفعالة في ردم الهوة السحيقة بين الكل والكل. لأن الوطن لا يكون إلا عندما يذوب الكل في الكل....
من الخطئ الفادح أن كل من حكومة العقيد اعل ولد محمد فال وحكومة الشيخ الهرم سيدي ولد الشيخ عبد الله قد منحت الجنسية الموريتانية للكثير من الزنوج السنغاليين والماليين وبعض الدول الإفريقية الأخرى، لكن القانون لا يسري بأثر رجعي ويجب على الحكومة المنقلبة أن تحترم تلك الإرادة وتبدأ من حيث انتهت السابقة. ليس هناك أي ضير في أن نترك الذين حصلوا على الجنسية بطريقة ما يتمتعوا بها ونبدأ الإحصاء على أسس جديدة لا تثير النعرات والطائفية....

قد لا يفهم الجنرال المغفل أن الطائفية والجهوية والعرقية هي بذور فناء يمكن أن تسحق عظام الطفل الخديج الذي يعاني من خلل في النمو منذ أكثر من نصف قرن، فلماذا تريد هذه الحكومة أن تعجل بمأتم الوطن المقهور....؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق