الأحد، 1 أبريل 2012

حرائر جميل.. و عبيد بدر الدين!!

جميل و بدرالدين(لبجاوي)
في مهرجان نظمته قبل أيام المنظمة النسائية في حزب "تواصل" الإسلامي خطب رئيس الحزب محمد جميل منصور خطابا قال فيه إنه يهنئ الحرائر وإن كل نساء موريتانيا حرائر.
خطف كلمةَ "الحرائر" وحدها من الخطاب الطويل الكاتبُ الصحفي أبو العباس ولد برهام وطار بها خارج المكان
والزمان والسياق طبعا! وظل يدندن حولها في مقاله "الحرائر: من توماس جيفرسون إلى جميل منصور" بقصة من تاريخ الغرب ورجالاته ( المكون الأساس لمرجعيته الثقافية)،...
وهي عادة مَرَد عليها كاتب اليسار الشاب لأسباب ربما يريدها أن تكون "أكاديمية معرفية" ولا بأس لو أحدثت مع ذلك قدرا ولو يسيرا من الدهشة والخلط لدى القارئ العادي يوحي له بعمق ما يقرأ وقوة منطقه.
الزمان الذي طار بــ"الحرائر" إليه الكاتبُ هو الفترة مابين 1743و 1826م ( القرنان الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديان ) وأما المكان فهو أرض الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث كان توماس جيفرسون (رئيسها الثالث) يملك حوالي 600 عبد وأمة يسخرهم في بناء قصوره وفلاحة مزارعة، بينما كان يطالب في الوقت نفسه ببناء الأساطيل الحربية لتحرير الأمريكيات "الحرائر" من أيدي قراصنة "ممالك البرابرة" ، وهو "أول من استخدم مفهوم الحرائر للتعبئة السياسية في سياق دولة حديثة تدعي الديمقراطية والمساواة" حسب ما قال الكاتب ابو العباس.
تقدم جميل منصور بتوضيح – ما كنت أرى له ضرورة - لما قصد في خطابه ، فعاد أبو العباس بتعقيب لم يخرج عن سياق مقاله الأول ، لكنّ المسألة كلها بدت لي – رغم احترامي لأبي العباس – كحالة طفل شغوف باللَّعِب واللُّعب رأى عصا فتخيلها حصانا جامحا فركبها وجعل يوجهها يمينا وشمالا ويحمحم ويصهل ، حاول صاحب العصا أن يوضح له خطأ تقديره وأن ما يركبه ليس حصانا وإنما هي عصا وشرح له الفرق بين ما يخال ويريد وبين الواقع والحقيقة ، لكن الحمحمة والصهيل ومطاوعة العصا بنانَ الطفل جعلته أسير شغفه باللعب يجزم بأنه إنما يركب حصانا بالفعل وأي حصان! تلك هي حالة مصطلح "الحرائر" الذي حمّله أبو العباس ما لا ينبغي له أن يتحمل!
تشبيه مستصنع..!
في خطوة لا تبدو متصالحة مع المنطق الأكاديمي استصنع الكاتب اليساري سببا – لم يتقن صناعته – ليربط بين لفظة (الحرائر) في خطاب جميل منصور وتاريخ جيفرسون المترع بالاستعباد والقائم على أساطين ضخمة من العنصرية المعلنة ، وقال أبو العباس إن "توماس جفرسون الذي ملأ الأرض عويلا بخصوص تحرير الأميركيات من الحريم لم يكن يطبق مبدأ حب التحرر في حياته الخاصة، ولا العامة"، وأضاف: "إن نفس الشيئ في موريتانيا فيما يتعلق بنقطة جيفرسون الأخيرة".
وكيف ذلك يا أبا العباس ؟ .. الأمر جلي عند أبي العباس فقد " وجه الزعيم الاسلامي الموريتاني، محمد جميل ولد منصور ، هذه التحية إلى النساء التواصليات: "أهنأ الحرائر" ثم أعقب هذه التحية التمجيدية بهذا التعميم الرواقي: "وكل نساء موريتانيا حرائر".
لا يلوح في الأفق وجه شبه يقبله العقل ولا حتى الجنون بين رجل إقطاعي سخر البشر لنزواته وحشرهم في مزارعه يتكاثرون كالبهائم بناء على قناعة وفلسفة ومنهج ، ورجل دافع عن المستعبدين ووقف معهم بشهادة الكاتب نفسه ، لكن الكاتب – الذي تبرّع أكثر من مرة بـ"صناعة" أخطاء للإسلاميين – تعسف وتفلسف قدر استطاعته في خلق شبه .. ثم لم يُخلق شبهٌ في خاتمة المطاف.
تحامل .. وتناقض
مما يلفت الانتباه أن أبا العباس قدم في مقاله المذكور خمسة تفيسرات لما يمكن أن يكون رئيس "تواصل" يقصده بمصطلح "الحرائر" عندما أطلقه ، وقال إن التفسير الخامس هو أن يكون جميل "يستخدم المصطلح بشكل مجرد و قيمي و يقصد به الشريفات الحرات روحا لا جسدا. و في تلك فإن هذه لن تكون مجرد لغة أرويلية فحسب بل و أيضا لغة تقصد استخدام التمييز و لا تهتم بمحاربته لغويا" ، لكن الكاتب ضرب الذكر صفحا عن هذا التفسير وبنا مقاله على التفسيرات الأربعة الأخرى التي أكاد أجزم أنه يعلم أن رئيس "تواصل" ما كان يقصدها.
اتهم الكاتب أبو العباس أيضا رئيس "تواصل" في تعقيب على توضيحه (أي الرئيس) بأنه "لا يهتم بمحاربة التمييز لغويا حيث يتسلل و يأخذ شرعيته اللا شعورية " ، وبأنه "يستخدم لغة أورويلية و رواقية" أي لغة تنكر وجود الألم وتتنكر لمعاناة المستعبدات! وقال أيضا إن "استخدام مصطلح الحرائر يحمل تمييزا واضحا بين الحرات والمُستعبدات" ، لكن أبا العباس وقع في تناقض سريع عندما استخدم مصطلح "الحرائر" بطريقة لا تخلو من تمجيد حيث قال: "إن نساء موريتانيا لسن كلهن حرائر للأسف". ومن الواضح أن هذا التأسف ينطوي منطقيا على تمجيد للحرائر ينطوي بدوره على تمييز تجاه الإماء !
إضافة إلى ذلك فإن أبا العباس متهم هو أيضا بأنه لا يهتم بمحاربة التمييز لغويا عندما يستخدم مصطلح "الأحرار" أكثر من مرة في كتاباته وتدويناته بصفة تمجيدية ؟ أوليست كلمة " الأحرار" هي الوجه الآخر لكلمة "الحرائر" ؟ أليس مصطلح "الأحرار" يفترض وجود عبيد ؟ أليس مصطلحا تمييزيا بمعايير أبي العباس؟ ثم لماذا نناضل جميعا من أجل "الحرية" إذا كنا لا نستطيع أن نتصف بها أو أن نصف بها أحدا ؟ وهل يمكن أن نصف شخصا بأنه "حر" ثم لا نكون قد مجّدناه بتلك الصفة؟
إن أبا العباس حينما يحرّم استخدام مصطلح "الحرائر" على غيره ثم يستخدم هو المصطلح ذاته في المقال الذي حرمه فيه ، أو يستخدم أو مصطلحات تشاركه معناه وجذره اللغوي يكون كمن ينهى عن فعل ويأتيه أو يأمر بفعل ولا يأتيه!
أما اليساريون فذنبهم مغفور!
توصل أبو العباس في مقاله إلى خلاصة مفادها أن "استخدام كلمة ثنائية و بنيوية إقطاعية بطبيعتها ككلمة "الحرائر" من منبر سياسي وارث لتقاليد تقوم أصلا بالتمييز بين البنيتين يعتبر "غير صحيح سياسيا"، كما يقال".
لكن ما هو رأي أبي العباس في استخدام النائب البرلماني اليساري المصطفى ولد بدر الدين لما هو أكثر من كلمة واحدة مثل "الحرائر" بل لمثل شعبي من خمس كلمات يكرس الطبقية في أوضح والبنيوية تجلياتها تحت قبة البرلمان الهيئة التشريعية التي صادقت على قانون تجريم الرق واستخدام مصطلحاته عام 2007 ؟ لقد قال النائب البرلماني اليساري في جلسة للبرلمان في يناير 2010 إن "غلظ العبد ألا من مولاه" أو "شحم العبد ألا من عربيه" فرد عليه ولد بلخير قائلا: "تصفنا بالعبيد ونحن جلوس!!" ، وهذا الرابط يحيل إلى الخبر:إضغط للإطلاع
إن الاستشهاد بمَثل طبقي تمييزي بنيوي كهذا من رجل مثل المصطفى "رضع أفاويق التقدمية" وادّعى مرارا وتكرارا الكفاح و"الكدحة" من أجل الطبقات المسحوقة انكاسة خطيرة في الخطاب والمبادئ بمعيار أبي العباس ، بل كان يفترض أن لا يمر الأمر دون تعليق من كاتب تحرري ثائر مثله أو كتابة مقال مقارن ، لكن أخطاء اليساريين - الذين لم يبق من مظاهر وجودهم إلا نائبان برلمانيان وموقع إلكتروني وكاتبان أحدهما متقاعد - مغتفرة !!
دعوة لتغيير قواعد الاشتباك..
أدرك أن مصطلح "الحرائر" بنشأته في كنف الثقافة الإسلامية قد يكون مستفزا بطريقة تلقائية لكاتب كأبي العباس تشبع بإديويوجيا اليسار ونهل من مصادرها ومواردها.
لكن إذا كان اختلاف أبي العباس مع الإسلاميين ومحاولاته تضخيمَ أخطائهم وتخطئتهم في ما لم يخطئوا فيه سيدفعه إلى مزالق معرفية وأخلاقية فعليه أن يعيد النظر في قواعد الاشتباك التي ينطلق منها ؛ إذ ما كان يفترض أن تجره الإديولوجيا وخلافاته مع الإسلاميين إلى "جناية معرفية" - أو جنحة على الأقل - كمحاولة تلغيم مصطلح لمجرد أن المخالفين استخدموه!
لكن ما أخشاه أن يكون أبو العباس – وهو كاتب كبير وإن كان يقع في أخطاء إملائية محرجة – قد قرر فعلا أن يمنح نفسه صفة "راعي حمى المصطلحات وحامي اللغة" بعد مقاليْه الأخيرين حول خطاب رئيس حزب "تواصل" لـ"الحرائر" وحول نصائحه "الأخلاقية" لطلاب المعهد العالي لتغيير بعض مصطلحاتهم وشعاراتهم خصوصا مصطلح "الحرائر" حيث قال في مقاله : "الأمر الأسوأ أن استخدام مصطلح الحرائر أثار نقاشا منذ أيام عندما استخدمه اتحاد طلابي محسوب على التيار الاسلامي. و الكاتب المتواضع لهذه الأسطر سبق و أن شارك فيه بنصيحة أخلاقية".
إن المشاركة بـ"نصيحة أخلاقية" شيء مهم .. لكن الأهم أن نتمتع بالتجرد الكافي والشجاعة اللازمة لننصح الجميع!.





بقلم:
مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق