الأحد، 1 أبريل 2012

شمال مالي: إبادة أحفاد المرابطين؛ مرة أخرى

قال عنترة إبن شداد:


الشَّـاتِمِيْ عِرْضِي ولَم أَشْتِمْهُمَـا
والنَّـاذِرَيْـنِ إِذْ لَم أَلقَهُمَا دَمِـي
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا
جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ
             - تزامنا مع إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد بشمال مالي، عن السيطرة على كبريات مدن الشمال المالي، التي تعيش نضالا دمويا منذ خمسة عقود من أجل الإستقلال، جندت المجموعة الإقتصادية لغرب افريقيا أكثر من ألفي جندي للتدخل لإجهاض حلم عرب وطوارق مالي في الإستقلال، تحت غطاء "استعادة الحياة الدستورية" بمالي!...

أمام صمت نخب وإعلام وأنظمة شمال افريقيا، من الضروري أن يفقه الرأي العام المغاربي الخلفية الإديولوجية لهذا التدخل العسكري المحتمل بشمال مالي.
سعت الأحزاب السياسية بتوجهاتها الإيديولوجية الموروثة عن المستعمر الفرنسي بافريقيا، فرض نفسها “كواقع” بديل عن البنى الاجتماعية والو لاءات الدينية، كمؤثرات ضرورية لضبط النسق الاجتماعي في المجتمعات الإفريقية، التي ضنت عليها ببنية عضوية كفيلة بتجاوز الركود النخبوي، الذي سارت على نسقه الحياة السياسية للدولة والمجتمع بغرب افريقيا منذ الاستقلال، إلى آخر أشكال الخرف، الذي أصبح دالا ومدلولا “لخطاب” رؤساء دول غرب القارة السمراء.
فرغم “الإيديولوجيات” التي قالت بها النخب، وأورثها المستعمر، لايزال الولاء، على أعلى مستوى في هرم الدولة للجماعة العرقية، هو سيد الموقف، عبر الإثارة المستمرة للمشاعر القومية الضيقة، كلما عجزت الدولة عن مواجهة تراكمات الوضع الاقتصادي ومصاعبه، مما يعيق مسيرة الوعي السياسي بمفهوميه الطبقي والاجتماعي طبقا لخطط الأحزاب “الوطنية” والتحليل النخبوي لمسيرة المجتمع بغرب افريقيا.
فبعد الفشل الكبير الذي حاق بمشروع “الحزب الديمقراطي السنغالي” برئاسة عبدالله واد، ذو النفس الغربي والتركيبة العرقية، عاد من جديد، بتبني استراتيجيات تتناول الأمور من زاوية الإثارة العرقية، وتعبئة أتباعه على إجادة لغة المشاحنات العرقية بقالب المصطلحات التأويلية للأحزاب المعاصرة، متجاوزا الحدود الجغرافية للدولة السنغالية، في محاولة يائسة للتأثير على جماعات يفترض استخدامها لنفس اللغة، والتقاليد.. وحتى العادات الغذائية.
وقد تجسد هذا التطاول الإيديولوجي، تحت ضغط حصيلة الفساد وسوء التسيير التي يزخر بها سجل دول غرب القارة السمراء الحديثة، تجسد عبر محاولات تصدير الأزمات خارج حدودها، بمحاولتها تدبير عملية اغتيال الرئيس الغيني وقلب نظام الحكم “بكوناكري”، وأخيرا تحريك عناصر متطرفة معروفة بالولاء لنفس الإيديولوجيا العرقية، ضد إحصاء السكان الجاري بموريتانيا، عبر مسيرات ببعض العواصم الغربية، وأحداث شغب دموية بالجنوب الموريتاني والعاصمة نواكشوط.
فمثلما نشأت الصراعات الاجتماعية وتسارعت التحولات الاقتصادية لتستوعبها مفاهيم جديدة، برزت معالم الخطاب العرقي النتن، الذي يستغل بؤر التوتر الاجتماعي بوقود الاستمالة العاطفية، لتطفوا على السطح النتائج التجسيدية، موجهة في أشكال من العنف الدموي، آخذة أشكالا خطيرة في مثل مجتمعات الساحل، المرتهنة بالجهل والفقر.. وحضور المرجعية الوثنية، كوسيلة للتحرر من ضوابط الدين والمودة، الذين أسسا لماض مشترك من الحياة الجماعية قوامها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
تسعى الأحزاب "القومية/العرقية" بغرب افريقيا إلى التأكيد على إرث ثقافي مشترك، وهوية “زنجية/وثنية”، منذ 1974، فعلى الرغم من الثقافة الفرنسية لمؤسسيها، فقد دعوا إلى تأكيد القومية العرقية، كسيف مشهور في وجه الأقليات والمهاجرين ودول الجوار التي تعود إليها أصولهم. وترجع جذور هذا المنهج الذي ارتفع دخانه إبان الستينات من القرن الماضي على يد المثقفين الذين درسوا في جامعات الغرب.
فمنذ أن صاغ شاعر جزر الهند الغربية “إيمي سيزار” “الزنوجة” عام 1939 وجد تجاوبا كبيرا بين أوساط النخبة الإفريقية، ذات الثقافة الفرنسية، ولم تكن موجهة كتعبير شعوبي ضد أعراق غير سوداء في إفريقيا أو غيرها بقد رما كانت تعبيرا عن مفهوم وطني له نطاق واسع من التراث، وحماس الأخذ بتقرير المصير السياسي.
لقد اتخذ هذا النسق الفكري طابعا إيديولوجيا، بعد تبنيه من طرف الساسة الذين تأثروا به إبان مرحلة البحث عن ثقافة منسجمة تحقق الوحدة الثقافية من أجل الاستقلال السياسي. لقد اتخذ قادة هذا التيار وأتباعهم “الزنجية” مطية لإثارة أحقاد ليس ضد عرب وبربر الشمال فحسب، بل ضد وحدة إفريقيا وتجانس شعوبها.
لقد كانت هذه الظروف الإيديولوجية التي مر بها العقل السياسي الإفريقي سببا مباشرا في خلق عداوة “لعدو” يتوهمونه في تآمر دائم، يعلقون عليه معالم فشلهم في تحقيق المشروع/الدولة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن مرتكزات حقيقية للبقاء غير الطرح القومي الضيق، الذي يعتبر عامل خذلان للتوجه التنموي للدول أيا كانت.. إن النخبة السابحة في فلك “الزنوجية” شرعت في تدمير الدول، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، فبدل مواجهة الانهزامية وسوء التسيير، تحاول الإساءة إلى الأقليات العربية البربرية في أرضهم بعد ما أعلنت منذ 22 عاما حربا على الجاليات المقيمة على الأراضي السنغالية “كمغذين” لأرواح وبطون السنغاليين منذ عهد المرابطين المخلص للشعوب الإفريقية من ظلام الوثنية وحتمية الاقتتال العرقي!
آن الأوان بأن يفقه المثقف الإفريقي عموما أن مختلف القوميات التي تسكن القارة السمراء محكوم عليها بالتعايش في سلم تمليه المصالح الاقتصادية، قبل الماضي الحضاري، والحاضر الديني.

عبدالله حرمة الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق