السبت، 20 أكتوبر 2012

أفضال القذافي على موريتانيا.. تغيظ الصهاينة

حين تمكن معمر القذافي من إنجاز ثورته كانت البلاد العربية والإسلامية في مختلف القارات تقاوم أمواج المستعمر وفي أمس الحاجة للدعم بالمال والسلاح، وكانت أولى خطوات الثورة الليبية مد يد العون للثوار في أصقاع المعمورة ليتمكنوا من تحرير بلادهم...

وبعد رحيل المستعمر بدباباته بقيت مهمة ثانية وهي التحرر بعد التحرير ووقتئذ بدأت مطاردة المستعمر في مخابئه والعقول التي يعشعش فيها، وهنا أصبحت مرحلة الوعي الثقافي البديل، وإدراك الوسائل الكفيلة بإزاحة الاستعمار بشكل يمكن الشعوب من السيطرة على مقدراتها، وتوجيهها صوب أهداف تنموية إنسانية لا تخلق بؤر توتر في النسيج الاجتماعي، ولا تتيح تمايزا طبقيا يكون مدخلا للأحقاد والفتن وعدم الانصاف، وتلك كلها رُغم غلبة التيارات والأفكار الرأسمالية المحمية بالدبابات، لا تزال مطالب تحتاج الشعوب لتبنيها ودراستها وفق المتغيرات التي بينت مدى الحاجة لكثير من الأفكار والتحاليل والنظريات التي كانت شكلت بالأمس القريب شبه إجماع بين المخلصين للإنسانية.

إن مطاردة الدور الذي قام به الشريف القذافي تتطلب وقتا وجهدا لا تتسع له هذه العجالة وذلك يدعونا لاختصار بعض مما قام به في موريتانيا.

لقد أنشأت ليبيا مصرفا يحمل الاعتماد رقم 1 لسنة 1972، وقد تولى هذا المصرف تأمين المعاملات مع الخارج وخلق رأسمال وطني وكان الأداة التي بواسطتها تولت ليبيا توفير الغطاء المالي للعملة الوطنية "الأوقية" في الوقت الذي رفضت فيه الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا، تقديمه، ويمكن الرجوع لتفصيل ذلك في مذكرات الرئيس الراحل الاستاذ المختار ولد داداه.

والحقيقة أن كثيرا منا قد لا يستحضر هذا الدور ولا الدور الذي قامت به الجماهيرية في الصيد البحري والزراعة والبنية التحتية والكهرباء.

ويقتضي الإنصاف أن معظم المشاريع ذات الأهمية في موريتانيا عربية التمويل، وأحيل هنا للدراسة الرصينة التي قام بها الباحث المعروف القدير محمد محمود ولد ودادي، والمنشورة في المواقع الموريتانية، فبموجبها أوضح بالأرقام أن أكبر مساعدات حصلت عليها موريتانيا ليبية المصدر.

إن هذا الدور كان المصدر الأساسي والمغذي للحملات، على الشريف معمر القذافي، ودون إطالة سأضرب مثالا على ذلك.

ورد في كثير من البحوث أن ديفيد بن غوريون كان يشعر بكثير من الاكتئاب والحزن كلما شعر بإنجازات ملموسة تحققها الثورة المصرية سواء كان ذلك في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، وكانت الخلاصات التي تقدم بها الباحثون الصهاينة كتوصية يجب الأخذ بها هي الترابط بين الشأن السياسي والمجال الاقتصادي ومحاولة قتل "الأفاعي" قبل أن تصل إلى فلسطين المحتلة (إسرائيل حسب تعبيرهم).

وهنا كان طبيعيا أن يتم التركيز على دور الثورة الليبية لأن قائدها التقط الخيط بمهارة ليواصل مشوار الثوار العظام من أمثال عبد الناصر ونكروما، وماوتسي تونغ، وغيرهم، يواصله في زمن أصبح إحكام السيطرة فيه من طرف القوى الاستعمارية أمرا مسلما به، إحكام السيطرة بواسطة قوى إعلامية تستغني عن الدبابات، إحكام السيطرة بواسطة قوى محلية تستغني ظاهريا عن التدخل الأجنبي وتجيزه عند الحاجة، إحكام السيطرة بواسطة تعميق التبعية الاقتصادية.

إن الصهاينة يخططون بكفاءة وعناية لحماية ما اغتصبوا، وذلك ما جعلهم يدركون ضمن ما يدركون الدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في الحاضر قياسا على ماضيها، وموازاة مع ذلك يدركون فاعلية وقوة الثورة الليبية في مختلف القارات.

وحين تتبعت مراكز بحثهم تداخل العلاقات في مختلف المجالات بين ليبيا وموريتانيا تم التركيز خلال أزيد من عشرين سنة على تشويه الصورة وإعطاء انطباعات مغلوطة.

وستتناول الحلقة القادمة بعض هذه المغالطات واستكناه مبررات طمس الحقائق والدور الذي قام به معمر القذافي في حل الأزمة الموريتانية التي جنبت البلاد وضعها تحت حماية دولية استمرت عدة أشهر دون اكتراث، بل بترحيب من طرف كثير من الوطنيين، الذين يتبنون بإخلاص كبريات القضايا الوطنية والقومية، وسيتم لاحقا التوقف عند تدقيق كثير من المصطلحات والمواقف التي تعتبر موضة الموسم السياسي في موريتانيا.
                                                                           
بونا ولد الحسن
                                                                   كاتب ومحامي موريتاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق