الأحد، 2 أكتوبر 2011

الإحصاء ... اخوتي الزنوج

لفتت انتباهي بعض الأحداث المتعلقة بالإحصاء، فاستدعت أحداثا سبقتها، وأنارت لأخرى تلحقها..
المفارقات...
نسمع كثيرا هذه الأيام حتى مع الأسف في إعلامنا الرسمي ومن بعض الساسة المحترمين موالاة ومعارضة عن إقصائية هذا الإحصاء وعنصريته..
وأتذكر عندما جئت يوما لأحد مكاتبه وجدت جميع القوميات والدوائر الأمنية والإدارية وحتى الجهوية حاضرة وممثلة في لجنته حتى لا يظلم أحد ووجدت كثيرا كثيرا من الأسئلة والعقبات يعترضني ومن جاء معي دون تمييز وأنا العربي..
فلماذا تثار هذه الزوبعة عن هذا الإحصاء ما دام الجميع يعترف بأن بنوده رغم صرامتها تطبق على الجميع دون تمييز..؟ لماذا هذا التحسس أليس مثيرا للاسغراب والدهشة والشبهة..؟ من يلمس جنسيتك يا هذا إذا كانت لديك أوراق ثبوتية..؟ وهل تظن أن الشغب والفوضى والدعايات يمكن أن تمنحك جنسية الآخرين؟ هل الاستناد إلى الغير يمنحك وطننا على طبق من الفوضى والاستهتار؟... هل لك أية أدلة مهما خفت على وجود معايير مزدوجة؟ هل ضمن معايير الإحصاء أي بند يتعلق باللون والعرق؟ فهل من مجيب بالحق..؟ هيهات...
أعتقد أن ثمة أياد خفية داخلية وخارجية مسمومة تحرك الملف ومع الأسف لم ألاحظ أية استراتيجية أمنية ولا إعلامية ولا سياسية محكمة بادية لاحتواء الحدث الجلل..
إخوتي الثائرين من المجنسين الزنوج ـ احترازا من الزنوج الموريتانيين ـ لقد صمم فيما أعتقد هذا الإحصاء بتأطير من جهات أمنية في المملكة المغربية الشقيقة لاستهداف القبائل العربية الصحراوية التي يندر منها من لا يملك الجنسية الموريتانية إلى جانب المغربية أو الصحراوية، وتتضرر هذه الجهات من تلك الازواجية ومن اللبس العصي بين سكان المخيمات في تيندوف والموريتانيين... ومن حظ هذا الوطن أن يظهر هذا الاستهداف عن غير قصد ولا سابق ترصد ذلك العدو المستتر تحت عدة يافطات.. وذلك الكمون المتربص ...وقديما قال المثل الحساني أن الجبان لا تستره الغابة...وأن غير الحامل لا يتحرك في بطنها الجنين ..
علينا كموريتانيين عربا وزنوجا أن نكافح من أجل هذا الوطن ضد أي كان مهما قربت مودته .. فهناك قبائل عربية كثيرة في مالي وقبائل صحراوية كثيرة في الشمال جنستها سياسة الديمقراطية والأصوات .. كلها لها أواصر قربى ورحم مع العرب الموريتانيين، كما أن هنا زنوجا كثرا جنسوا على مراحل بدأت مع جيوش كبلاني إلى حاجة دولة الاستقلال إلى الأطر إلى حاجة الجيش في حرب الصحراء إلى مرحلة هيدالة وتحكم وزير داخليته وتجنيسه الهدام المعروف إلى مرحلة حاجة الأكياس في الديمقراطية المزيفة إلى سوء الإدارة وتفشي الرشوة وغياب الوطنية في التعاطي مع الأوراق الرسمية.. غير أن هؤلاء زنوج وأولئك عرب غيرٌ، ونحن موريتانيون... ليس في مصلحة أي منا تجنيس أحد مهما قربت مودته وتمكنت أواصره..فمن حقنا وحدنا عربا وزنوجا أصليين أن لا تلمس جنسيتنا ومن حقنا معا أن نضرب ضربة رجل واحد على من تسول له نفسه اللعب بلحمتنا وتاريخنا المشترك فلديه وطن قدم منه وسيرجع إليه وليس لنا ولا لكم غير هذه البلاد..
لم نقرأ في صراع الإمارات الموريتانية شيئا عن حوادث عنصرية ولم نسجل تنافرا بين مكون العرب ومكون الزنوج بل بالعكس يخلد لنا التاريخ روابط وعلاقات رحم وقربى وتوادد وتراحم وتبادل معرفي وحسن جوار وتكافل .. بل إن العنصر الزنجي الأكثر عددا "الفلان" نجدهم ينسبون أنفسهم للعرب ويتبادلون الرسائل مع أمراء إدوعيش ويكتبون "إلى ابن عمي" ناهيك عن الأسر العربية والشريفة الكثيرة داخلهم وبغض النظر عن أن معيار الانتساب للعرب ـ الدين والعلم والتعرب ـ ليس أحد أكثر فيه من أسر معروفة فيهم كأسرة "با"مثلا...فلماذا هذا التنافر المتجدد؟ ألم يكن مغذى من أطراف استعمارية معروفة؟ هل يخدم مصلحة ولو قلت لأي من هذه الأطراف؟
ومن اللافت عندي أن حركات مكافحة الاسترقاق تنشط دائما في مجتمع العرب ولا نجد لها ذكرا في مجتمع الزوج وهذا مريب حقا.. لا سيما إذا عرفنا أن الظاهرة أكثر استشراء وعنصرية وطبقية في المجتمع الزنجي منها في المجتمع العربي، فالعبد الزنجي مثلا لا يحق له بحال أن يجلس مع السيد على فراش واحد ولا يمكنه الأكل معه من إناء واحد ولا الصلاة معه في مسجد واحد ولا الدفن معه في مقبرة واحدة ..إلخ..بخلاف مماثله عند العرب ..وكأن المستهدف هو إحداث هوة بين طبقات المجتمع العربي على أساس التصنيف الطبقي الذي لم يكن يوما قارا في هذا المجتمع، فعندنا أمثلة تاريخية على تحول أرقاء عربا إلى سادة والعكس، وكم من رقيق في أصله تزوج من عربية شريفة نظرا لمؤهلاته..
أمثلة واقعية..
إخوتي الوطنيين.. هنالك حوادث مؤلمة في موضوع التجنيس أتذكرها وأذكر بعضها في هذا الشأن:
ـ في سنة 2002  كنت في جامعة سينلوي وفي جلسة عفوية قال أستاذ إفواري هل تعرفون أن فلانا ـ أستاذ سينغالي ـ أصبح موريتانيا فسئل المتجنس لماذا وكيف فقال لأن موريتانيا  ستصبح دولة غنية عندها سأخرج أورقي وقد تحصلت عليهم في روصو مقابل 40000 ألف أوقية..وفور رجوعي أجريت عدة اتصالات بالمسؤولين لكن لا حياة لمن تنادي..
ـ في سنة 2010 كنت على الحدود المغربية " السنتور" ولفتت انتباهي ضوضاء أثارها إمساك السلطات المغربية لزنجي داخل من موريتانيا بأوراق موريتانية مزورة مع الأسف فاتت السلطات الموريتانية وضبطتها المغربية..
ـ من بين آلاف الحالات أذكر أسرة أعرف محلها وجيرانها جاءت من السينغال في أواخر التسعينيات واكترت منزلا ثم تكامل عناصرها فيه بعد مدة وفي بعض الانتخابات وبقدرة قادرة تحولت أسرة موريتانية الأوراق ثم تحول المنزل لملكيتها ومن الطريف أن إحدى بناتها ظهرت لنا يوما في التلفاز تبكي وهي عائدة مع العائدين أيضا في السنة قبل الماضية..فاستفادت مما استفادوا منه...
ـ في الثورة الليبية كان دائما يفاجئنا الإعلام بأن مرتزقة موريتانيين يقاتلون مع القذافي ضبطوا وأسروا ولأني أعرف طبيعة الموريتانين كنت أنفي ذلك دوما، ومرة أجرت إحدى القنوات مقابلة مع أحدهم فاتضح لنا من لكنته أنه من عرب النيجر أو مالي ..
ـ لاحظت من خلال زياراتي للمملكة المغربية أن أغلب العرب الصحراويين لديهم أوراق موريتانية ..
ـ غالبا تسمع في قصص البيوت أن أهل فلان جنسوا خادمتهم السينغالية أو المالية أو رجل الأعمال فلان جنس عامله الممتاز أو أن المنمي الكبير المتمكن جنس رعاته الماليين الطوارق..إلخ..
الكارثة: الفلتان ..الانقلاب .. الحرب الأهلية...
لا أقصد بما أذكر هنا التحريض معاذ الله بل الحق ولو على نفسي..
لكأن التاريخ يعيد نفسه ..منذ 2009 يلاحظ المتتبع للساحة أن فترة مخاض ما عشناها في الثمانينات تعود في ثوب قشيب.. فترة من التحرش والعصبية من طرف إخوتنا الزنوج..تعامل النظام إبانها معها بنفس الطريقة الحالية: الاسترضاء والتغاضي..إلى أن وقعت محاولة الانقلاب الزنجية المشهورة فكانت ردة الفعل عصبية ومتهورة وشديدة..وهذا ما نرى بوادره حاليا لكن وسائل الطرفين مختلفة..
علينا عربا وزنوجا أن نقف ضد مخطط هدام يحاك ضد بلدنا وتوظف فيه تعدديته لضرب لحمته وقد بدأت معالم هذا المخطط منذ فترة وبدأت معالمه تنضج في الواقع:
بدأت بوادر المخطط الجهنمي عندما أدركت القوى التي تحرك الأزرار من بعيد أن السلطة ضعيفة أو مخترقة بقدر يمكن من تنفيذ المخطط بنجاح
مرحلة جس النبض
ــ بدأت من المرحلة الانتقالية بعد الرئيس سيدي حيث تم التنازل عن كل شيء والاعترف بالحق وغيره وأرجع إلى الوطن الموريتاني وغيره ووظف المستحق وغيره وعوض لمن يستحق ومن لا يستحق..
ــ تلتها أحداث التعريب ..ومن الغرابة تماما أن نجد أحفاد الفوتي وعلماء التكرور يدافعون بشراسة عن لغة المستعمر ضد لغة دينهم وآبائهم وإخوتهم..والأغرب منها أن ينصاع النظام بدون مقاومة مطأطأ الرأس ومبديا تحية المستسلم قبل المعركة، فكانت تلك إشارة أخرى على ترهل النظام وضعفه...
ــ ثم جاءت أحداث انتخابات الطلاب في الجامعة التي كانت تسير بشفافية فانهزم أحد أطرافها فقام بالفوضى وبسرعة ركع النظام وتدخل بكل الوسائل لإرضاء القليل وإذلال المنتصر.. وبعد ذلك سمعنا عن تعيينات في طبقة المفسدين الثوار فتأكدنا أن الحبل أصبح على الغارب..وأن الأسوأ قادم..فصدقتنا الأيام...
التمهيد ..والتهيئة..
كانت التنظيمات السرية ناشطة منذ فترة ..تلحظها في اجتماعات الأساتذة الزنوج في المؤسسات التعليمية والعلاقات البادية في المؤسسات العسكرية وفي قطاع الصحة والأمن وهيئات المجتمع المدني وفي الجامعة وفي الشارع ...وغيرها..
وتجسد التمهيد فيما يلي:
ــ الاستناد إلى ظهير فولاذي أجنبي جسده التعاون القوي مع دوائر فرنسية وإسرائلية وسينغالية وإفريقية أخرى وإذا كانت المغرب قد علمت ولم تتصرف فلأن ما تدخل السينغال فيه أنفها لا يزكم المغرب بحال..
ــ التسلل إلى مفاصل النظام الحاكم لا سيما الحساسة القاتلة:
• فالمنافذ الأمنية الحساسة أخذت من الشرطة لتعطى للدرك بعد أن سلمت قيادتها للسينغالي الذي مازال ذووه في "اندر لبيظ" والذي يمتلك قصورا كثيرة في سينلوي..
• ومهام كثيرة أوكلت للحرس الوطني حاليا والكل يعرف قائده..
• وعين وال جديد لانواكشوط معروف أيضا من هو..
• قيادة الأركان الخاصة هي أيضا بيد مهما تكن ضعيفة فإنها لن تضعف عن معرفة مكامن القوة والضعف وتحدد مكان الاختراق
• وأخيرا المرافق العسكري..
فما الذي يمنع من انقلاب ناجح هذه المرة...رئيس دائم السفر..كلما رفعت صوتك عليه مكنك مما تريد.. مفاصل أمنه بيد عدوه..ينسى أن الثقة التي كان موضعها وهو متمكن فقط من موقع واحد من هذه المواقع أهلته للانقلاب على من هو أقوى منه على ما يبدو..فما بالك بمن يمتلك كل هذه المفاصل...ويمتلك أكثر من ذلك الظهور مظهر اللامبالي، الطائع لسيده، المناهض لذويه من أجله، الساعي في مصالحه..
العملية فوق الطاولة...
نبض السلطة ضعيف وضغطها منخفض والظروف مواتية للعملية الانقلابية ولن تكون هذه المرة فاشلة كسابقتها...
إحداث فتنة تشكل ذريعة لانتشار الحرس والشرطة وأغلبيتهم تحت سيطرة هؤلاء..فتبدأ بقية الخيوط في أخذ مواقعها على سجادة الانقلاب.. التي يمكن أن نتصور لها كثيرا من السيناريوهات الدموية والحزينة...وينجح الانقلاب..الكارثة..
وليست قصة الإحصاء هذه إلا عقدة واحدة من عقد تلك العملية التي لا بد أنها معقدة ودقيقة..فإما أن يتراجع كعادته فيزيد ذله وهوانه بين الناس..وإما أن يتمادى في القمع فيزيد الأجانب الزنوج من اجتذاب الزنوج الموريتانيين.. والأمر تحت سيطرة التمرد...أمنيا( الحرس ـ الوالي ـ كثير من الشرطة) وعسكريا( الدرك ـ الحرس) وشعبيا(الجاليات الزنجية المجنسة وغير المجنسة وغوغاء عامة من بعض زنوج موريتانيا)..
ولا يسعني هنا إلا استحضار حادث وقع هذه الأيام يوضح عدم براءة هذه التحركات ذلك أن المتظاهرين الزنوج عمدوا إلى إحراق سيارة شيخ كولخي كبير تحمل لوحة غامبية فقط لأجل تدويل القضية والترويج على أن الأمر ردة فعل عنصرية وإساءة للسينغاليين والغامبيين من العرب الموريتانيين وهذا يذكرنا أيضا ببداية أحداث (89) المؤلمة بين الجارتين موريتانيا والسينغال ..
إن أخوف ما أخافه أن يظل بلدي بدون قيادة حكيمة واعية وقوية وصارمة تستبق
الأحداث وتضمد الجراح قيادة ترعى مصالح الوطن قبل مصالحها السلطوية ...
وأنا على يقين من أن التراجع سيقع وستهدر كل تلك الأموال وستظهر أيضا مناسبة أخرى ويقع التراجع إلى أن يفرغ الكأس مما فيه ويسهل كسره...
إخوتي الزنوج الموريتانيين: لست عنصريا بحال فشيخي الذي أحب كثيرا سينغالي أسود...والتصفيق عندي من شيم النساء وإلا فمخنثي الساسة.. غير أني موريتاني وليس لي وطن آخر ولا يمكن أن يكون...

بدالي ولد جدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق