تجنبا للتجريد المفارق لبعض التوقعات, يشير الفساد ـ حسب موسوعة العلوم الاجتماعية ـ إلى سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق فوائد خاصة, أو أشكال غير شرعية من النفوذ السياسي أو التزوير أو الرشوة أو التمييز أو التباطؤ في أداء الواجب أو عدم القيام به، مما يحيل إلى وصف الدولة بالفاشلة, والتي يعرفها مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن الاقتصادية بأنها "حالة من انهيار الدولة أو عجزها عن أداء وظائفها التنموية الأساسية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها، أو تعرضها للتهديد الاقتصادي...
وانتهاك حقوق الإنسان، أو تعرض قراراتها للتأثير المباشر من الخارج".
وانتهاك حقوق الإنسان، أو تعرض قراراتها للتأثير المباشر من الخارج".
الفشل الذي حددت مجلة (فورن بوليسي) مؤشراته لعام 2010 في متغيرات تكاد تنطبق كلها على موضوع هذا المقال, "دولة موريتانيا" من حيث: عودة القبلية ـ عجز الدولة عن توفير الخدمات الأساسية لمواطنيهاـ العجز عن فرض سيادة القانون...
ـ العجز عن أن تكون الدولة عضوا فعالا في المجتمع الدولي ـ وجود الميراث العدائي الذي يجعل جماعات تفكر في الثأرـ هجرة العقول أو الفئات الشابة المنتجة إلى الخارج ـ وجود التوترات الاثنية ـ ارتفاع معدلات الفقرـ فقدان شرعية الدولة ـ فساد القائمين على السلطة ـ شيوع جرائم ترتبط بالفئة الحاكمة ـ تدني الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية ـ تمركز الموارد في مؤسسات الرئاسة و الجيش والأمن ـ اتساع الانشقاقات بين النخب... السؤال: إذا كان الفشل نتيجة حتمية للفساد، فما مصدر هذا الفساد في دولة موريتانيا ذات الطابع الديني "الإسلامية"؟ وكيف تسرب إلى مفاصل وأركان المجتمع في كل مستوياته؟
لاشك أننا بحاجة إلى مزيد من أدبيات سوسيولوجيا الدولة المتحررة من شرك التصورات الاختزالية، والمعتمدة في تشريحها على مداخل سلوكية متعددة لمكونات بنية الفعل الاجتماعي, على الطريقة(البارسونزية) بحيث تشمل: {النسق الثقافي الكثير المعلومات, والمتضمن لنسق التنشئة الاجتماعيةـ النسق الاجتماعي الكثير المعلومات أيضا, و المتضمن لنسق الروابط المجتمعية ـ نسق الشخصية الكثير الطاقة، والمتضمن للنسق السياسي ـ النسق العضوي الكثير الطاقة أيضا, والمتضمن للنسق الاقتصادي}، وتلك المبكرة منها على وجه الخصوص، والمتضمنة في الضرورات الوظيفية للتنشئة الاجتماعية، كمطلب أو شرط تكيفي توافقي مع الواقع، بدافع الحفاظ على المصالح في مجال يسوده منطق الندرة والبقاء للأقوى, و احتكار الدولة لكل ما هو متاح من مصادر القوة!
إضافة إلى الأخذ في الاعتبار لحقيقة أن السلوك الإنساني يتطلب دائما الاندفاع في بنية سلوكية مشكلة "ممأسسة" ثقافيا، تلعب فيها معاني القيم المقلدة دورا حيويا في تنظيم الحاجات والأهداف، ومن ثم, فإنه من التعسف محاولة فصل الثقافي والاجتماعي والنفسي والسياسي والاقتصادي، تجنبا للتسطيح في المعالجة، ومن ثم ضرورة التعميق, بالإشارة إلى ما توصل إليه العقل النابه, للفرنسي (جبرائيل تارد) من أهمية "التقليد والمحاكاة" في فهم بنية الفعل الاجتماعي بصورة أشمل، باعتبارها القالب الذي تنتظم من خلاله الطاقة المشكلة والموجهة للسلوك والتي تنتقل عدواها في الغالب من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا في القوة, سواء كان ذلك على سبيل العرف أو الموضة أو التعاطف أو الطاعة أو التربية أو السذاجة أو التدبر والرؤية، وسواء كانت المحاكاة أو التقليد للذكريات الشخصية أم لقواعد الآخرين في مواجهة المواقف. ومن ثم, فكلما كانت القيم المفضلة المؤسسة أو المحورية أكثر رشدا ونبلا، كلما راكم المجتمع تطوير مسلكياته في محورها, وبالعكس من ذلك, إذا كانت القيم المؤطرة مؤسسة على الانحطاط و الفساد في مصدر القوة الرئيسي "السلطة السياسية" أي القطب الجاذب أو المتحكم في الفعاليات الاجتماعية والفكرية والمادية, حيث ينحصر الجدل الاجتماعي فيما هو سياسي, مما يفقر المجتمع من الإبداعات النظرية والعلمية.., ويذكي طابع الصراع بين الدولة والمجتمع, في غياب مشروع مجتمعي موازي, حسب ـ (محسن, في سوسيولوجيا الدولة الثالثية)
عند تطبيق هذا المدخل على "حالة موريتانيا" واستحضار حقيقة أن "نموذج السلطة الوحيد" الماثل في الذاكرة الجماعية, هو "الحكم الاستعماري الفرنسي" الذي نجح ـ في حالة تاريخية شاذة بشريا ـ عبر "منهجية التحويل" في إحالة "العمالة" من رذيلة مقيتة إلى قيمة مفضلة, ومصدرا للجاه الاجتماعي، يتصارع المصابون بنزوات السلطة لنيل شرفها، في شكل: شيوخ قبائل أو جامعي ضرائب أو جواسيس, أو كل ذلك معا! نكون بصدد تحديد مرشح لزاوية الرؤية لهذه الدوامة, على أن نوضح أن التحفظ ليس في أن فرنسا وأوروبا ليس لديها ما هو جدير بالتقليد, وإنما هو في الجانبين المقلد و المتاح أو المرئي من ذلك النموذج "الحاميات العسكرية والبحارة" بما تفرضه ظروف مزاولة مهنهم ورداءة أهدافهم الاستعمارية, وغربتهم عن أوطانهم من جهة، وعن المجتمعات المستعمرة من جهة ثانية, واستشعارهم للتعالي عليها "كمجتمعات ما قبل المنطق الرمزي أو النقدي" من جهة ثالثة, وما يسوغه ذلك من توحش وعربدة واحتقار للأهالي, وحرية في الإيغال في هتك سيادتهم وأعراضهم, كنوع من الاستنزاف لرأسمالهم أو جاههم الاجتماعي الرمزي, لتدنيس رواسبهم الانفعالية الايجابية عن أنفسهم, وغير ذلك من ممارسات الفساد الأخرى, كلوازم لفرض السيطرة على جماعة بثقافة بسيطة و أقل قدرة على التجريد والتحفظ في الربط العلائقي للمتغيرات, مما يجعلها أكثر عرضة للاختراق الثقافي ...
وقد ساعدت مقتضيات حاجة المستعمر إلى تسيير مصالحه ـ كما هو شائع ـ على تسريب وتوطين أسلوبه "الممثلن" عبر تدريب وكلاء محليين ومترجمين, ليشكلوا خلفاء للمستعمر ونواة مشروعه ألتجزيئي, مرمزا بغالبية مكونات هويته "الاسمية ـ اللغوية ـ الدستورية ـ التنظيمية ـ التربوية.." بما لا يمت إليه بصلة, رغم أن ترميز أي هوية كانت, آلة أو شخصا أو جماعة, يعني برمجتها، أي تحديد خارطتها الإدراكية, الذي يعني التدخل بينها ومصادر قاعدة بيانات تعريفها لذاتها ولغيرها, الذي يعني بدوره تحويلها إلى شيء تعتقد انه هي, لكنه ليس هي, وإنما هو نسخ ممسوخ منها, لا يبقي لها منها سوى صورتها القاصرة, على أن تبدأ من حيث تكرست المسلكيات النمطية للمستعمر وحدها كمصدر لإضفاء هيبة أو رهبة من يشغل مركز السلطة, توطئة لتشكل فئة ممسوخة من المعسكرات الاستعمارية, أبعد ما تكون من نخب وبرجوازية أوروبا التنويريين الرومانسيين, المتطلعين إلى الارستقراطية وقيم الانجاز والفروسية النبيلة, بذوقها الرفيع, والمتظاهر بالدفاع عن القيم المطلقة, من حرية وعدالة وجمال وتوحيد الأمم, كل في شكل دولة أمته, بحدودها التاريخية والثقافية..
و بمجاراة المزيد من التصورات السوسيولوجية لوظائف الدولة "ككيان مصطنع لأهداف محددة" ندرك أنها بمثابة نظام قانوني تترابط بداخله أجزاء المجتمع لتحقيق مطالبه الاجتماعية وانجاز أهدافه العامة في التنمية والرقي والرفاهية بين المجتمعات الدولية, بما في ذلك مجال الرؤية الخضراء وقصر فترة الاستطباب والتقاضي ومدة حضور الإسعاف.. والحفاظ على إجماعه الثقافي, وعدم السماح بتدمير نسيجه أو تقويض هويته الحضارية, وتجسيد إرادة المجتمع في تحقيق استحقاقات المواطنة الضرورية, أي في حدودها الدنيا على الأقل, مثل القضاء على البطالة أو توفير تعويض عنها, وتوفير السكن اللائق والتعليم وفرص التمتع بمستوى متوسط الحياة في الزمن المعاش, وصيانة الكرامة مقارنة بمواطني الدول الأخرى "التي يعتبرون موظفوها نظراء لهم" إلى غير ذلك من الوظائف الراقية للدولة. البعيدة مما تكابده الغالبية العظمى من المجتمع الموريتاني, من أبعاد متعددة للفقر و العوز والحرمان, سواء بمعناه الذاتي: القائم على تعريف الناس لأنفسهم بأنهم يعانون من الحرمان, أو التعريف الموضوعي: القائم على العجز عن تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة, أي بمتوسط دخل للفرد لا يقل عن 275 دور سنويا, لمدة 3 سنوات, حيث تعد مكابدة الفقر لهذه المدة متعاقبة, بمثابة الفقر الثابت ـ حسب المنظور الجديد للفقر,(انظر استيفن وجون, منظور جديد للفقر,2009 ), فما بالك بمكابدته طيلة عقود عمر الدولة كلها, من قبل أزيد من 60 % من إجمالي السكان في موريتانيا ـ حسب أكثر التقارير تفاؤلا واعتمادا على مؤشرات الفقر بالنسبة للمحرومين؟
إضافة إلى ما تكابده هذه الغالبية من فقر بشري, متمثل في العجز عن التفاعل مع الآخرين المعاصرين للفقير, نظرا لأميته أو لتعرضه للأوبئة و الأمراض والشعور بمركب النقص والعجز عن الحصول على الخدمات الصحية والمياه المأمونة, حيث لا تزيد نسبة ربط المياه والكهرباء في المدن على 21 و30 % على التوالي ـ حسب تقارير الفقر في موريتانيا, عام 2008 , فما بالك بالريف وقرى (الحراطين) أو المحررين المعزولة إن لم نستعمل "منبوذة"؟
ومن المؤكد في هذا الصدد, أن الإشارة إلى مفهوم العوز في مجتمع الاتحاد الأوروبي مثلا, حيث يشير في بنوده الاقتصاديه, إلى العجز عن قضاء الإجازة السنوية في الخارج أو العجز عن تغيير الأثاث المتهالك ـ وفي بنود عوز الإسكان، إلى عدم توافر الحمامات ودورات المياه الخاصة والمياه الجارية ـ و في عوز تدهور السكن,إلى تشقق الأسقف وبلى إطارات النوافذ والأرضيات ـ وفي عوز بيئة الجوار, إلى المشكلات المتصلة بالضوضاء والتلوث، وتخريب الممتلكات والجريمة وصغر حجم السكن ورداءة الإضاءة (ستيفن وجون، السابق الذكر) سيبين مدى رفاهيته بالتناظر مع مأساة مفهوم العوز في موريتانيا, مما يظهر مدى صدقية منظور سوء ورداءة ما أتيح تقليده من ذلك النموذج الأوروبي, بالتركيز على ما هو نزوي ومنحط أو سالب في ممارسة غريزة السلطة الحيوانية والسيطرة الفجة منه, دون سواها, ودون حدوث قطيعة تذكر معه, رغم تغيرات الوجوه والأسماء نسبيا!.
كما تتجلى مأساة العوز أكثر بالنظر إلى المتلازمة السلبية له, حيث لا يتوقف أثره على المرض والأمية.. بل يتصل بعاهات نفسية اجتماعية .. أخرى مستديمة, تزيد بدورها من خطره "وتعد جرائم لا يتقادم عليها الزمن" مثل "تكريس ثقافة الفقر" وتدني الطموح, إلى حد اعتبار التحسن في المستوى التعليمي أو المهني لأحد أفراد المجموعة ضار بانسجامها.. إضافة إلى ما يصاحبه من تفكك أسري و تساهل و إهمال في تربية الأطفال بمعايير واضحة حول قيمة العمل أو الانجاز أو الزمن, بما يصاحب ذلك أيضا من سمات شخصية سلبية وانسحابية, أو أنانية ساعية إلى النجاة بذاتها, واستخدام المجتمع و هدرمدخراته لبلوغ أهداف خاصة, والدفاع عن الأفعال الفاسدة بخليط من الالتباسات بين المقدس والمدنس, بين التباهي بالتدين " الطقوسي" وتهميش التخصصات ذات الطابع الديني وحفظة القرآن, في مقابل الانبهار بالتعليم الأجنبي, بين الشوفينية الوطنية واستنجاد الجاه من التبعية للمستعمر...! كمؤشر للتلوث العقلي المؤطر للتواطؤ ضد القواعد الشرعية, والمدعم للممارسات الشاذة واللامسئولة, ونبذ واحتقار كل سلوك عقلاني أو خلقي أو نضالي مسئول من أجل المصالح العامة, ليحل الفساد محل الإنتاج, بحجة أن الجميع فاسد, ولن يغير منه صلاح احدهم, ومن ثم شيوع قاعدة: "إذا لم تستولي على ما تطاله فسيطاله غيرك" كنوع من (التهادر) أو تبادل التدمير, حسب طابع واحد/صفر, الذي يميل إلى تجميد الكل عند مستوى يضمن للمسيطرين توهم تفوقهم, ولو عبر قاعدة"الأعور والعميان" التي تفقد الخاسرين الثقة والتعاطف مع نظرائهم الذين يذكرونهم بصورتهم "المخصية" ومن ثم الاستسلام للتهميش, والشعور بعدم جدوائية الوجود, بما يصاحبها من سيادة اللامبالاة بالمظاهر وترتيب المنازل وحتى مصائر الأبناء, رغم صراحة الحديث النبوي "كفى بالمرء إثما أن يضيع ما يعول" كدليل على وقوع الفرد و المجتمع في فقدان المناعة الكياني, الذي لا يقل خطورة عن فقدان المناعة الطبي, ليدخل المجتمع في التاريخ الآسن, بتعبير(حجازي, في الإنسان المهدور,2005 ) حيث وصل الهدر الوجودي والتلوث الخلقي, إلى الحد الذي يراهن فيه بعض المتعلمين في عمر الزهور بكرامتهم على الانضمام إلى "الفئة الناجية بالفساد" ولو عبر مصاهرتها من عوانسها و ساقطاتها, دون خجل أو وجل, أو التزام أخلاقي أو ثقافي ناحية المجتمع الذي تحمل تكاليف تكوينهم! مما يثير الحيرة والتساؤل عن سر انتماء الموريتانيين "لهوية الفشل القاتلة" هذه على حساب أنفسهم, واستمرار مراهنتهم على نجاح فشلها من نموذج الفساد, وما إذا كان مصدر الانتماء لديهم قد تحول من مدى جاذبية موضوعه المتعارف عليه "العدالة والرقي والرفاهية والانجاز.." إلى مصدر آخر, قائم على تعذيب الذات بالتخويف من الحرمان من الفرص المتوهمة لعضوية رابطة الفساد, التي لا تجيد سوى التفنن في تضخيم مستحقاتها "مقارنة بنظرائها / دون مراعاة أن يكون مواطنيها نظراء حتى للتعساء" نظرا لاعتبار الدولة والشعب ريعا خالصا لخدمتها, واستمرار مؤسساتها مجرد واجهات تطل على مرفأ نواكشوط البحري لزوم الاستيلاء على "الصدقات" لا تزيد عضوية الموظفين فيها على الوزير وحاشيته, لزوم الأنس, لا صلة لها بباقي المجتمع, لا في شكل بريد أو مواصلات أو تنمية أو ري أو صحة أو تعليم أو امن أو زراعة أو كهرباء أو تأمين؟ وقد يعد من أسخف النكت في هذا الصدد، وجود يافطات لوزارات من قبيل: المرأة والبيئة والصناعة والتجهيز والزراعة والثقافة والتامين الاجتماعي, التي تنسب غالبا إلى القائمين عليها, وبدون مندوبين جهويين مساعدين في بقية مناطق البلد الأخرى, وكأنهم ينجزون تنمية وخدمة البلد بالتحكم عن بعد أو بالإنسان الآلي, ويكتفون بالتظاهر بأنهم يجيدون تمثيل الأدوار الشكلية, مثل التحذلق على شاشات الفضائيات وهم يتهجون بالكاد خطاباتهم, ويتشحون "بأقنعة" ربطات الأعناق بعلامة مسجلة, كدليل على أنهم وصلوا إلى مستوى يشبهون فيه الناس المعاصرين, وكأن مشكلة المجتمع الموريتاني, ليست القضاء على العوز الناتج عن الفساد, بقدر ما هي إثبات أن بعض عناصره تشبه الجنس البشري, بدلا من الانخراط في مشاريع مجتمعية واقعية, كالإصلاح الزراعي والتدريب المهني والتوجيه والإرشاد.. بتوظيف الإمكانيات المتاحة, مثل النزر القليل من المتعلمين, وتوظيف الفضائية المتلفزة بدلا من احتكار بثها الأرضي على حدود 30 كلم, حيث مربع السلطة في نواكشوط, و الفضائي على قنصلياتها في الخارج, حيث لا يمتلك غالبية المجتمع قوت يومهم أو مسكنا يحفظ خصوصيتهم, فما بالك بخطوط الكهرباء وأجهزته!
أيها العالقون في دوامة الفساد ألا تشعرون بالحرج وأنتم تعرضون المجتمع الذي تتسولون باسم جاهه للهلع والتشرد في أرجاء المعمورة, بدون مؤهلات مهنية تكفل له العثور على مصدر رزق نظيف, بل و بدون وثائق ثبوتية, وكأنها عملة صعبة تحتاجون إلى من يتصدق عليكم بها؟
أليس من المخزي والعار استغلال طيبة أو سذاجة شعب ودولته لخدمة سلطة, ودفعه لخوض تجربة الإحساس بأن "انتماءه الوطني عالة عليه" عقليا وعاطفيا وخدميا, بحيث يعيد الآخرون النظر في تقييم كل ما بحوزته "منسوب إليه" أو يصدر منه بالسالب, ليتناسب مع الصورة النمطية لمعرفه "دولتكم المعوزة"؟ و إلى متى ستظل الدولة الوطنية عالة على مواطنيها, وقائمة على"مطاوعة كيدية" للقوى التي تفرضها من الخارج, وتمول استمرار مشروعها؟
وهل أن "تدني فاعلية الدولة" مقارنة بحجم يافطات "توابيت الديمقراطية" والمؤسسات الفارغة من أي مضمون وظيفي, ما هي سوى انعكاس للبنية الذهنية الفاسدة, المتحايلة على المتبرعين, للاسترزاق من وراء ادعاء انجاز مشروع مشوه, لتضليل المتبرع الذي يموله؟ ومن ثم الإيغال في تشويه المجتمع "المتسول عليه" لزيادة استدرار عواطف المتصدقين, في شكل علاقة طردية, تقوم على أنه كلما زادت "بشاعة وتشوهات المجتمع المتسول عليه" كلما زاد استدرار عواطف المتبرعين, لصالح القائمين على اليافطات المضللة المرفوعة باسمه!
إلى متى ستتمكن دوامة الفساد من دفع الناس للاذعان "لوضع برزخي"بين الدولة وما قبل الدولة" لا يتلقون فيه خدمات ورعاية دولة منذ عقود بحجة أنها عاجزة, و في نفس الآن يحرمون من تلقي خدمات المنظمات للشعوب "البدون دولة" بحجة أن هناك دولة ترعاهم؟
كم هو أليم ذاك الوضع الذي يكون فيه وطنك عند الحد الذي يبقيك في |دائرة "الحرمان بالضبط" ليس فقط من حقوق مواطنيتك فيه ـ فهذا متجاوزـ وإنما أيضا من حقك في الاستنجاد من غيره, بحجة وجوده, الذي تدرك أنت كما هو جيدا أنه معدوم جدا, دون أن تكون قادرا على إعادة النظر في مجرى الأمور, ولو من باب إبداء التخوف من أن يكون مجرد تخريجه دراماتيكية "لمحمية سياسية احتياطية" قابلة لإعادة التدوير, حين تتراجع إليها القوى الكبرى مع فقد نفوذها في المناطق الأكثر حيوية, أو أن تكون متأكدا من انه مجرد تجربة لفشل الاعتماد على فساد المحاولة والخطأ في بناء الدول, و أنجع الطرق للقضاء على التفرد بإنتاج فساد الصمت, والتعجيل بانفجار صرخات المعوزين: منك لله يا موريتانيا, كم خذلت أتباعك, وهم يلجأون هلعا منك لا إليك!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق