مدونة باباه ولد عابدين - محرر بصحيفة مراسلون الموريتانية و مراسل متجول لصحيفة الواجهة
أهلا بكم
▼
الجمعة، 9 مارس 2012
PIZORNO ينهب في عام ما تستهلكه الشركات الوطنية في ربع قرن
وسط احتجاج فاعلي القطاع واستنكار شعبي شديد عمدت الدولة الموريتانية ممثلة في مجموعة نواكشوط الحضرية سنة 2007 على توقيع عقد مع شركة ابيزورنو "PIZORNO" للبيئة (العملاق الفرنسي المعروف)، يتضمن تنظيف مدينة نواكشوط مقابل مبلغ خيالي يصل مليارين وتسع مائة مليون أوقية على أن تدفع سنويا بالدولار الأمريكي أو بالعملة الأوروبية الموحدة (اليورو). في عملية ذكية جدا من الشركة تستهدف من ورائها تجنب خسائر محتملة جراء سقوط أو تدهور العملة المحلية... السبيل تتبع خيوط هذا الملف المريب وتعكس الخسائر الباهظة على الجانب الموريتاني وإخلال الشركة ببنود العقد، والتداعيات البيئية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي..
العقد الملعون..تولدت الدهشة والاستنكار ليس فقط من خلال هذا المبلغ الهائل الذي يتم حصده من دافعي الضرائب في بلديات نواكشوط، بل أيضا من خلال إصرار بيزورنو "PIZORNO" على استلام مستحقاتها بالعملة الصعبة، وبواسطة حوالة مصرفية على البنوك الفرنسية في الخارج، فعدى هذه المبالغ الضخمة سيكون على الاقتصاد الموريتاني أن يحرم من عدة مزايا ليس أبسطها استفادة المصارف المحلية من العملة الصعبة علما أن ما يحول إلى هذه المصارف وهي بالذات غير موريتانية تماما لأنها أغلبها مجرد ممثليات لبنوك أجنبية معظمها فرنسي، وسيكون بالعملة المحلية في معظمه مما يعني خسارتها للأرباح المتأتية من سعر الصرف... الخ.
وقبل أن نسترسل في مثالب هذا العقد الملعون (طبقا لوصف الفاعلين المحليين في هذا المجال) نستعرض نموذجا من عقود التنظيف التي كانت معتمدة في السابق بين الدولة الموريتانية وشركات التنظيف المحلية لنعرف حجم الخسارة التي تكبدتها موريتانيا من عقدها الملعون مع الشركة الفرنسية ولنتأكد من أن أبسط وصف يمكن إطلاقه على عقد "PIZORNO" هو "العقد الملعون".النموذج الذي نورده هنا مثلا لا حصر هو عبارة عن عقد موقع بين مجموعة نواكشوط الحضرية وشركة ماليكود Malicod الناشطة في قطاع النظافة وحماية البيئة، وتقول مادته الثانية إن على الشركة المذكورة أن تقوم بتفريغ كافة القمامات والنفايات المتجمعة في مقاطعة تيارت ونقلها إلى المكب النهائي ثلاث مرات في الاسبوع على أن تحصل الشركة بالمقابل على مبلغ 760 ألف أوقية (أي بالعملة المحلية) تدفع نهاية كل شهر.
سنقوم هنا بعملية حسابية بسيطة نشمل بها كافة بلديات نواكشوط، ونظرا للفوارق فيما بين هذه البلديات والتي تنسحب على حجم المبالغ سنرفع المبلغ ليصل إلى معدل مليون أوقية ثم بعد ذلك نجري الحسابات ونقارنها بما تتكبده الدولة الموريتانية لصالح الشركة الفرنسية.
المعروف أن مدينة نواكشوط تحتضن تسع بلديات والمبلغ التقريبي هو مليون أوقية وبضربه في تعداد البلديات سنحصل على مبلغ قدره تسع ملايين أوقية شهريا سنقوم بضربها هي الأخرى في تعداد أشهر السنة وهي اثنا عشر شهرا سواء كانت قمرية أو شمسية لنحصل على مبلغ إجمالي قدره 118 مليون أوقية فقط، لو ضربناها هي الأخرى في ربع قرن كامل فسنحصل على ما تجنيه "PIZORNO" في سنة واحدة فقط أي أن الشركة الفرنسية تمتص في سنة واحدة ما تحتاج الشركات الوطنية إلى ربع قرن لتصل إليه..(!!!).
سنتجاوز الأرقام لندخل التفاصيل لنكشف الكوارث التي يتسبب لنا فيها هذا الديناصور المسمى بيزورنو.
المعروف أن العقود التي أبرمت مسبقا مع الشركات المحلية تفرض ضرورة وجود ميزات جمة للإقتصاد الموريتاني منها أن البنك المركزي لن يخسر أي مبلغ من أرصدته الإستراتيجية من العملة الصعبة التي تخصص عادة لتغطية الصادرات ولا يمكنها دفع المستحقات المالية على خدمات داخلية في حين أن العقد الموقع مع "PIZORNO" يفرض (ضرورة) تكريس هذه الخسائر أضف إلى ذلك أن الضرائب على هذه الشركة ستكون شكلية لأنها موفرة خدمات وبالتالي لا تعامل ضمن حيز الشركات التاجارية وهي غير مسجلة في بورصة محلية (ربما لانعدام هذه البورصة)، بين تقدم ضرائب باهظة للخزينة الفرنسية وتدر على الاسواق المالية والبورصات الاوروبية المدرجة فيها أموالا طائلة في الوقت الذي تدفع فيه الشركات المحلية كافة المستحقات الضريبية... الخ.
أما عن الأضرار البيئية للشركة الفرنسية وأوضاع عمالها فحدث ولا حرج، حيث أن شركة "PIZORNO" تقوم بدفع النفايات في الأراضي الموريتانية وفي أمكنة يحتمل أن يصلها التمدد العمراني جراء النمو الديموغرافي، وعكسا لما يتوقع البعض فإن الشركة لا تقوم بأي نوع من أنواع المعالجة أو إعادة التدوير بل إنها لا تتجاوز واحدا من إثنتين دفن النفايات أو حرقها وكلاهما أخطر من الآخر على البيئة وبالتالي على الانسان في هذه الارجاء.وضعية العمال تجعلهم أكثر قليلا من الجرذان وأقل كثيرا من البشر والتعامل معهم يتم وفق طريقة التعامل مع أسرى الحروب قبل اتفاقيات جنيف وبيرن ويكفي أن نعرف أن راتب العامل اليدوي لا يتجاوز 28000 ألف أوقية، في حين أن تكلفة تنقله من وإلى مقر عمله تقارب ثلثي هذا المبلغ، بينما لا يتوفرون (وأعدادهم بالمئات) إلا على طبيب واحد لا يحضر إلى مقر عمله إلا بعد ارتفاع الضحى، وعلى أية حال حضور لا يغني من جوع لأن كلما سيقدمه عبارة عن أقراص مقاومة الصداع Paractamol، وطبقا للتعليمات الواردة إليه لا يمنح الراحة الطبية إلا لمن هو في طور الاحتضار من العمال، ونادرا ما تتجاوز هذه الراحة فترة أربعة وعشرين ساعة، والشيء الوحيد الذي يهبه بسخاء للعمال هو الوصفات الطبية التي تكلف أدناها نصف راتب العامل اليدوي.
وقد خشينا أن نسبب للقارئ الملل بالحديث عن الوفيات العديدة التي تتم في العلن أحيانا وفي السر أحيانا أخرى في صفوف العمال دون أن تكلف الشركة نفسها عناء التعويض الرمزي لأسرة المتوفى أو الحديث عن حالات الفصل التعسفي للعمال دون حقوق، أو التواطئ بين الطبيب وكبار مسؤولي الشركة من جهة والمدير العام الفرنسي من جهة أخرى على حساب العمالة اليدوية، كما خشينا إثارة مشاعر الحزن والأسى لدى الرأي العام من خلال الحديث عن إدمان شاحنات "PIZORNO" قتل المواطنين الموريتانيين في حوادث سير ليلية على شوارع نواكشوط دون أن تدفع لا الشركة الفرنسية ولا شركات التأمين التعويضات اللازمة للورثة.. الخ.
شهادة من شاهد عيان
لقد حاول عمال "PIZORNO" إسماع صوتهم لرئيس الجمهورية من خلال الوسائل المتاحة لهم التظاهر أمام مباني الرئاسة وتوجيه رسائل للصحافة المكتوبة بينما أدار لهم الإعلام العمومي ظهره واقتصرت نشاطاته في هذا الصدد على مقابلة مسؤولي الشركة الكبار أي السماسرة الذين يدافعون عن الشركة وليس عن العمال.
ولأن قائمة المتضررين - كما أسلفنا- تطول وتتمدد بنمو عنقودي فإن الشركات الموريتانية العاملة في مجال النظافة تعتبر نفسها أكبر متضرر من وجود "PIZORNO" نتيجة عوامل أوردناها سابقا.
معطى ولد مبارك مدير لإحدى هذه الشركات وهي شركة Malicod العاملة في هذا القطاع والحاصلة على شهادة تهنئة على جودة الخدمات من طرف بلدية تيارت، صرح لموفد "السبيل" متهما كلا من مجموعة نواكشوط الحضية ووكالة التنمية الحضرية التي تلعب دور الرقابة بالتواطئ مع شركة "PIZORNO" على حساب مصلحة الوطن، معددا ما يمكن اعتباره أدلة يقينية على هذا التواطئ المريب.
فمن جهة لا يخفى على أحد حجم الأوساخ التي تكتظ بها مدينة نواكوشط رغم وجود "PIZORNO"، وهذا يجعل سقوط العقد وفضه أمرا قانونيا ما دامت الاختلالات بينة في بنوده، وبما أن هذا لم يحدث للساعة فإن الأمر يعني وجود "نشاط تحت الطاولة" ومن جهة أخرى تلعب الشركة دور الخصم والحكم في نفس الوقت فالميزان الموجود في موقع المكبات والذي يتم به حساب مستحقات الشركة من التعرفة على وزن الطن هو موضوع تحت تصرف الشركة وهي التي تباشر تسييره وصيانته مما يمكنها من التلاعب بالوزن لصالحها.
ويواصل السيد معطى ولد مبارك حديثه مع "السبيل" ليقول أن شركة "PIZORNO" تدفع لسائق الشاحنة راتبا شهريا قدره 60 ألف أوقية، 28 ألف اوقية للعامل اليدوي، بينما يدفع هو لبعض عمال شركته رواتب 74 ألف أوقية و 142 ألف للبعض الآخر.
ينضاف إلى ذلك أن جميع معاملاته المصرفية تتم بالعملة المحلية ونشاطاته تحت أعين مأموري الضرائب وهي في مطلقها تدخل الدورة الاقتصادية الموريتانية فيما جميع المعاملات المصرفية لشركة "PIZORNO" تتم من وعلى التراب الفرنسي.. إلى غير ذلك من التناقضات الفجة بين الصالح العام ومصالح الشركة الفرنسية على حساب المجتمع الموريتاني.
وفي ختام حواره مع "السبيل" طالب رجل الأعمال الموريتاني معطى ولد امبارك رئيس الجمهورية بالتدخل السريع على طريقته التصحيحية لفسخ العقد مع هذا الغول الذي ينهب خيراتنا دون تقديم مقابل يذكر معلنا استعداد الشركات الوطنية العاملة في مجال النظافة بما فيها شركته Malicod لتنظيف عموم مدينة نواكشوط وبشكل مجاني حتى ترى الدولة حجم الفارق مع "PIZORNO" وبعد ذلك تقرر التعاقد معهم أو الامتناع عنه.
وأخيرا
مع استبعاد فرضيتين تقول إحداهما بجهل موقعي العقد من الجانب الموريتاني للتداعيات السلبية لهذا العقد الملعون فيما تقول الأخرى بانعدام بديل مكافئ، وربما أفضل من شركة "PIZORNO" فسنطرح مضطرين جملة من التساؤلات تتحدث عن حجم العمولات التي تلقاها موقعوا العقد الموريتانيين من الشركة الفرنسية وهل هي باهظة إلى حد الدفع بالبعض إلى الإنحدار نحو الخيانة العظمى؟ ثم هل هذا العقد فرضة الله على الدولة الموريتانية أم أنه عقد بمدة محددة؟ ألا يتضمن هذا العقد بندا يسمح للجانب الموريتاني بفسخه عند أي إخلال ببنوده من جانب الشركة ولماذا لم يتم تطبيقه أم أن مسؤولي مجموعة انواكشوط الحضرية لا يرون في هذه الكوارث اليومية التي تتسبب فيها "PIZORNO" ما يستحق معه التنازل كما يشاع عن عمولاتهم الضخمة لمصلحة الوطن؟
وأخيرا ألم يعد رئيس الجمهورية أيام الحملة الانتخابية بمراجعة هذا العقد بصفة تضمن مصلحة الجانب الموريتاني؟ فلماذا الانتظار إذن؟؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق