يساور المرأة الموريتانية اليوم، وهي تحتفل بعيدها الدولي، بعد أن لم يعد لها عيد وطني، قلق عميق على مصير قضيتها المتمثلة في ترقيتها وتقدمها لتصل إلى المكانة التي يخولها لها وزنها الديموغرافي ودورها المحوري في بناء بلدها ورقي وازدهار أمتها.
لقد ناضلت المرأة الموريتانية على غرار مثيلاتها في العالم ضد التهميش والظلم والغبن الذي كانت موضعا له رغم التميز النسبي لمكانتها تاريخيا ، ومع التطور الحاصل في مفهوم حقوق الإنسان...
بصفة عامة وحقوق المرأة بشكل خاص ، بدأت وضعيتها تتحسن خاصة مع ولوجها المتزايد للتعليم والتكوين حيث تضاعفت أعداد النساء المؤهلات في شتى المجالات ولم تعد حجة عدم الكفاءة تجدي أمام الأعداد المتزايدة من النساء ذوات المؤهلات المتنوعة.
وقد تميزت المرأة الموريتانية منذ نشأة الدولة بحضور سياسي متزايد رغم محدودية النتائج حيث لم تسجل حضورا يذكر في البرلمان والمجالس البلدية إلا بعد تطبيق قانون 2006 الذي يفرض حصة للنساء في الوظائف الانتخابية تصل إلى 20/: حصلت بموجبه على 18 /: في البرلمان وما يزيد على 30 /: في المجالس البلدية كما شهدت هذه الفترة دخول المرأة للسلك الدبلوماسي والإدارة الإقليمية وهي مجالا ظلت حكرا على الرجل وبقيت مجالات أخرى محظورة عليها مثل القضاء.
وما زالت المرأة وستظل تناضل حتى تحصل على حقوقها كاملة غير منقوصة بالتناصف والمساواة مع الرجل وهو مطلب ترفعه وتعمل لأجله كل النساء في العالم وتتسارع وتيرة تحقيقه حسب نضج ووعي كل مجتمع وحسب الإرادة السياسية في كل بلد وكذلك حسب نضال وإصرار المرأة نفسها.
ويحق لنا أن نتساءل لماذا القلق الذي ينتاب المرأة الموريتانية اليوم؟
لقد حققت المرأة الموريتانية جملة من المكتسبات التي يتعين تعزيزها وزيادتها بدل التراجع فيها وزعزعتها.
لقد كانت بداية عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز مبشرة حيث أعطيت إشارات إيجابية للمرأة وذلك من خلال دخول ست نساء لأول حكومة بعد الانتخابات الرئاسية 2009 منهن وزيرة للشؤون الخارجية والتعاون ، إلا أن هذه الإشارات لم تلبث أن انطفأت وذلك بتقليص عدد النساء في الحكومة إلى النصف وتنحية المرأة من المجال الدبلوماسي ومجال الإدارة الإقليمية حيث كانت هناك سفيرتان ولم تعد هناك واحدة وكانت هناك واليات وحاكمات ولم تعد هناك واليات ولا حاكمات هذا بالإضافة إلى أننا لم نشهد تعيين نساء على رأس مؤسسات رغم الطفرة التي يشهدها إنشاء المؤسسات في الآونة الأخيرة ولم نلاحظ كذلك عناية كبيرة بالمرأة في قيادة العمل السياسي.
وفي المجال الاقتصادي تعاني المشاريع التي تقودها نساء من المضايقة وعدم التشجيع وإهمال المؤسسات المالية بل ووضع عراقيل لا تنتهي أمام الحصول على تمويل هذه المشاريع.
أما التراجع الكبير فهو ذلك المسجل على مستوى الوظائف الانتخابية التي أقرها قانون 2006 والتي كان من المفترض مراجعتها لزيادة الحصة الممنوحة للنساء لتحقيق هدف التناصف الذي هو الغاية النهائية أو على الأقل تحقيق الهدف 3 من أهداف الألفية للتنمية المتعلق بحصول المرأة على نسبة 33/: من الوظائف الانتخابية بحلول سنة 2015 ، تلك الأهداف التي صادقت عليها بلادنا ولم تعد أمامها إلا الاستحقاق القادم لبلوغها.
ولتوضيح ذلك التراجع ، فإننا سنبين الفرق بين القانون 2006 ونتائج الحوار التي تم تجسيدها على شكل قانون رغم دق ناقوس الخطر من طرف النساء في الوقت المناسب والتزام رؤساء الأجنحة المتحاورة بعدم حدوث أي تراجع عن المكتسبات وحتى الالتزام بتحسين ولوج النساء لهذه الوظائف ، الشيء الذي اتضح فيما بعد أنه إستراتيجية تنويم بدل كونها حقيقة والتزاما.
أولا: في الجمعية الوطنية
قانون 2006
كان عدد النواب 94 نائبا من بينها 18 نائبة أي نسبة 19/:
القانون الجديد:
عدد النواب 146 نائبا منها:
20 نائبة منتخبة على اللائحة الوطنية أي نسبة 13/:
وتحد من عقليات التهميش ونزع الثقة من المرأة بالإضافة إلى خلق طبقة من النساء قادرة على المنافسة في مختلف الدوائر، رغم كل هذه المزايا التي لا تسمح بها آلية اللائحة الوطنية ، فقد رحبنا بها بشرط أن تأتي لزيادة حصة النساء وليست بديلا عما كان موجودا.
لائحة وطنية مختلطة من 20 نائبا بالتعاقب بين النساء والرجال أي رجل وامرأة:
وهذه جيدة في شكلها وتوهم إلى أنها ستفضي إلى انتخاب 10 نائبات أخريات، إلا أن المتمعن في الطريقة التي سيتم بها الانتخاب يكاد لا يجزم على نتيجة تذكر، لماذا؟
لأن الانتخاب في هذه الحالة سيكون بتطبيق مبدإ النسبية بين اللوائح المترشحة وهي لوائح أحزاب غالبيتها من الرجال الذين طالما انتظروا هذه الفرصة لترشيح أنفسهم أو من يثقون به من الرجال، وبالتالي ونتيجة لحدة التنافس عادة فإن كل حزب ليس بمقدوره أن يحرز أكثر من مقعدين لأكبر الأحزاب ( حزبان أو ثلاثة) أي سيتم انتخاب رؤوس اللوائح في الغالب دون أن يتمكن أكثر من امرأتين أو ثلاث من الفوز.
والنتيجة هي 3 نائبات على الأكثر على هذه اللائحة الوطنية
لائحة جهوية لانواكشوط من 18 نائبا بالتعاقب أيضا وبنفس الأمل في صعود 9 نائبات ، لكنها ستتعرض لنفس المعالجة السابقة بفعل النسبية المطبقة عليها ولن يتمكن أي حزب من حصد أكثر من مقعدين في أحسن الأحوال(حزبان أو ثلاثة) حيث أن المنافسة هذه المرة في انواكشوط المعروف بتلونه السياسي أي أننا مع التفاؤل سنتمكن من تصعيد ثلاث نساء كذلك على مستوى اللائحة الجهوية لانواكشوط
والنتيجة هي 3 نائبات على الأكثر على اللائحة الجهوية
لوائح الدوائر التي بها أكثر من مقعدين وهي ست دوائر وستطبق بها النسبية كذلك بالتعاقب بين الرجال والنساء دون إلزام الأحزاب بجعل رأس اللائحة امرأة وبالتالي ونتيجة للمنافسة أيضا فلن يتسنى لأي حزب حصد أكثر من مقعد واحد وإذا كنا متفائلين يمكن لحزب واحد حصد مقعدين في إحدى الدوائر مثلا
والنتيجة هي نائبة واحدة في هذه الدوائر الست
والمحصلة النهائية تتمثل في :
20+3+3+1= 27 نائبة من أصل 146 نائبا هم أعضاء الجمعية الوطنية أي نسبة 18/: الشيء الذي لم يبلغ النسبة التي حددها قانون 2006 قبل ست سنوات من الآن، أي نسبة 20/:
بالإضافة إلى القضاء على إمكانية ترشيح النساء في الدوائر الانتخابية ذات المقعدين وما سيكون لذلك من انعكاسات سلبية على وتيرة تغيير العقليات لصالح مشاركة المرأة وتقبل المجتمع لها.
ثانيا : في المجالس البلدية
قانون 2006
حدد هذا القانون نسبة 20/: من أعضاء المجالس البلدية للنساء وكانت النتيجة أكثر من 30/: بفضل تطبيق القانون والجهود التي بذلتها بعض النساء والجو السائد آنذاك.
القانون الجديد:
تراوحت النسبة ما بين 17/: و 18/: حسب عدد المجلس البلدي دون أن يفرض القانون هذه النسبة من رؤوس اللوائح بينما فرض أن يكون رأس اللائحة عمدة
والنتيجة هي حدوث تراجع من 20/: إلى 18/: ومن المرجح ألا تكون من ضمن العمد أية امرأة إلا بشكل استثنائي
ثالثا: في الشيوخ
التراجع الكبير حصل فيما يعني انتخاب الشيوخ:
قانون 2006 :
أعطى هذا القانون نسبة 20/: للنساء في مجلس الشيوخ ولبلوغ ذلك فرض أن تكون اثنتان من الدوائر الثلاث لانواكشوط على رأسها نساء
وكانت النتيجة هي صعود 9 شيخات من أصل 53 شيخا أي نسبة 17/: تقريبا
القانون الجديد:
ألزم القانون الجديد الأحزاب التي ترشح في أ ربع دوائر انتخابية بتخصيص إحدى هذه الدوائر لامرأة، لكنه لم يحدد هل ذلك من كل أربع دوائر امرأة، أم يكفي امرأة واحدة مهما رشح الحزب بعد ذلك.
والنتيجة هي وجود ضبابية مقلقة في ولوج النساء لمجلس الشيوخ القادم وإن حصلت ستكون بنسبة متواضعة قياسا بما كان موجودا.
تلكم هي الأسباب التي جعلت المرأة الموريتانية اليوم تقلق على مستقبلها القريب في التواجد في مراكز صنع القرار وبالتالي على دورها في بناء وطنها ونهوضه إلى مستوى الدول المتقدمة.
و لتلافي هذه الوضعية يتعين على السلطات العليا اتخاذ الإجراءات التالية للتحسين من ولوج النساء لمراكز صنع القرار التي أثبتت التجربة نجاعتها كوسيلة للتحسين من وضعيتها العامة:
على مستوى الجهاز التنفيذي:
زيادة معتبرة للنساء في الحكومة لا تقل عن مستوى تمثيلها في حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة
ولوج النساء للسلك الدبلوماسي من جديد من خلال تعيين سفيرات جديدات
ولوج النساء للإدارة الإقليمية من جديد وذلك بتعيين واليات وحاكمات ورئيسات مراكز إدارية
تعيين نساء على رأس مؤسسات عمومية
زيادة عدد النساء في الإدارات المركزية وفي الأمانات العامة للوزارات
النظر في إشكالية ولوج المرأة لسلك القضاء، من كافة الجوانب
تشجيع المشاريع الاقتصادية التي تنشئها نساء ومنحها شروطا تفضيلية خاصة من طرف البنوك ومؤسسات القرض الأخرى.
مستوى الوظائف الانتخابية:
تمثيل معتبر في المجلس الدستوري وفي السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية وفي اللجنة المستقلة للانتخابات
على اللجنة المستقلة للانتخابات المرتقبة، أن تأخذ في الحسبان الضعف الذي مس قانون الانتخابات فيما يعني المرأة وذلك عند تشكيلها للوائح الذي هو من اختصاصها بفعل القانون خاصة ما يعني الترتيب على اللائحة بحيث تكون المرأة في ترتيب يخولها الفوز.
الحرص على تمثيل النساء بشكل معتبر في مكاتب البرلمان واللجان المنبثقة عنها وفي مكاتب ولجان البلديات
تفعيل بند القانون الذي يمنح حوافز مالية للأحزاب التي ترشح أكبر قدر من النساء والتي تضعهن على رأس بعض اللوائح خاصة البلدية منها.
والأهم من هذا كله هو أن يقتنع الجميع أن مسالة إنصاف المرأة وتمكينها اقتصاديا وسياسيا هي مهمة الجميع وليست مهمة المرأة لوحدها ، باعتبارها قضية مفصلية في تنمية البلاد تنمية مستدامة وفي إرساء عدالة اجتماعية ينعم فيها الجميع وخاصة الطبقات التي عانت طويلا من الظلم والحرمان ومن ضمنها المرأة، بحقوقه كاملة وذلك ما جعل المجتمع الدولي يدمج ترقية المرأة ضمن أهداف الألفية للتنمية التي لا يمكن لأي بلد أن يتقدم بدون تحقيقها.
السنيه بنت سيدي هيبه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق