أهلا بكم

الأربعاء، 21 مارس 2012

كـــــــــــــــــــفي كـــــــذبا ‼ حتى لا نعود إلى المربع الأول

وأنا مسترخي أمام التلفاز استرخاء الكسول كعادتي بعد العودة من يوم مشحون بالالتزامات والمواعيد اتصل بي أحد أعز أصدقائي ، كان ذالك في حدود الساعة الثالثة من يوم 12-03، لم يكن اتصالا عاديا كما تعودت، كان الهدف هو دعوتي إلى حضور مهرجان المعارضة الديمقراطية لنفس اليوم. لم أفكر كثيرا في الموضوع، كنت أحس بالذنب إن أنا لم استنصر الوطن و اخرج مع المتظاهرين، وحيث أن الخروج في مظاهرات تطالب بإسقاط النظام هو أضعف الإيمان، وقبلت الدعوة رغم مشاغلي في ذلك المساء...

لم أذهب في حياتي إلى أية تظاهرة سياسية لا للمعارضة ولا للموالاة، لم أثق يوما في أي من القطبين وكنت أفكر دوما في أن الشخص الذي سيقود السفينة الموريتانية إلى بر الأمان لم تلده أمه بعد وأن المشي وراء سياسيينا ذوي الأهداف والمصالح الضيقة هو مجرد هرولة إلى سراب يحسبه الظمآن ماءا، ومع ذالك كنت أتمنى أن أكون مخطئا في تصوري و قبلت الدعوة لأرى وأسمع عن قرب؟
كنت دائما من الذين ينتقدون تسيير ولد عبد العزيز للشأن العام، الأسعار لم تعد تطاق، عائدات الدولة من الذهب والحديد والنحاس والنفط والسمك وووووو… لم تنعكس على حياة المواطن الموريتاني البسيط.
قررنا التوجه إلى المسيرة وخرجنا من المنزل قبل بدئها بنصف ساعة تقريبا، و لم نمكث في الطريق طويلا حتى وصلنا إلى مكان انطلاق التظاهرة.
كنت متوترا بعض الشيء، فقد كنت أفكر في الطريقة التي يتعامل بها رجال الأمن عادة مع المتظاهرين في وطننا، كنت أفكر في طريقة تعاملنا مع مسيلات الدموع، ببساطة كان هاجس الخوف مازال يسيطر علي حتى فكرت بأني ربما لن أعود ثانية إلى ذالك المنزل الوديع.
كانت أولى ملاحظاتي هو عدم وجود الشرطة - بالنسبة لي الشرطة تعني كل شيء إلا الأمن- فأطمأن قلبي، ثم لاحظت بعد ذلك سيطرة الطبقة المثقفة على الحضور والشباب بصفة خاصة مع وجود جميع طوائف المجتمع الموريتاني.
مشيت وسط الجمهور رافعا رأسي وفي يدي خبزا، كانت الطمأنينة تسود المكان ، تخيلت أن كل موريتانيا كانت حاضرة - (60000) شخص حسب التقديرات- كانت أكبر مسيرة في تاريخ الدولة، كانت هناك هتافات من كل نوع، فالبعض يهتف بسقوط النظام وآخرون برحيل عزيز وآخرون يكبرون ويهللون.
كانت فرصة ذهبية للمعارضة الديمقراطية لإيصال رسالتها لهذا الجمع الغفير، كما كانت فرصة ذهبية بالنسبة لي شخصيا لأعرف ما مدى جدية المعارضة في تعاطيها مع هذه العصارة من المجتمع التي أتتهم على طبق من ذهب وهل هي قادرة على إقناعنا نحن معشر الشباب ببديل لولد عبد العزيز.
كنت أطرح على نفسي أسئلة متنوعة : ماذا يريدون منا هؤلاء؟ ماذا بعد هذه التظاهرة؟ من سيكون نجم المهرجان؟ هل هو جميل؟ هل هو بدر الدين؟….
بعد بدء المهرجان لم يكن أحدا يتوقع ما حدث، شخصيا أصبت بخيبة أمل كبيرة عندما قال زعيم المعارضة الديمقراطية إن حضور أعل ولد محمد فال كان أ كبر دليل على نجاح المهرجان وكأنه بذلك يقول لهذه النخبة من المجتمع لا أهمية لكم ولا لحضوركم، وكانت خيبة الأمل أكبر عندما قدمت معارضتنا المحترمة رأس الأفعى -كما سماه أحدهم- وكأنه هو الواجهة أو البديل في حالة سقوط النظام، قلت في نفسي كيف لعاقل أن يقدم لنا من كان اسمه مرادفا للمخابرات و القمع والرشوة لمدة تزيد على 20 عاما؟ كيف لجميل وبدر الدين و داداه أن يختزلوا هذه المناسبة الكبيرة في شخص أتى على الأخضر واليابس في الفترة الطائعية وبعد الطائعية، أليس منهم رجل رشيد؟ كيف تختارون من بينكم من يحج كل سنة وليس إلى مكة وإنما إلى المحرقة اليهودية؟
لم أستطع الانتظار حتى نهاية المهرجان من هول ما سمعت وبدأت أشعر بالإرهاق الشديد و خيبة الأمل الأمر الذي كان باديا على أوجه كل الشباب، بدأت أحس بأن المطالبة بسقوط النظام من طرف المعارضة في الوقت الذي ليس عندها بديلا و ليست في قطيعة مع الماضي المؤلم يعتبر من أكبر الأخطاء بل هو استهتار بعقول الشباب و المثقفين ، الأمر الذي زاد في عدم ثقتي في طبقتنا السياسية ككل . ثم بدأت أتساءل عن الفرق بين الرئيس الحالي الذي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة ، و الذي دبر انقلابين متتاليين ، و بين المعارضة الحالية التي همها أن تصل للسلطة مهما كان الوسيلة لذلك ، أما الغاية عندهم فتنبئ عنها تقديمهم لمثل هذا الشخص الذي شهد الجميع له بالفساد و سوء الإدارة.

إن أخشى ما أخشاه أن يظل بلدي بين موالاة خرساء و معارضة لا تفقه عاجزة عن تقديم الأحسن ، و إن من أشد مظاهر الاستبداد في رأيي هو أن المعارضة مازال عاجزة عن تطبيق الديمقراطية داخل أحزابها و هيئاتها السياسية الضيقة , و هو الأمر الذي سيجعل الحزب أي حزب محكوم بنزوات و غايات شخص رئيس الحزب ، وكأني بهم يكررون ما قاله مسعود يوما لشخصيات من حزبه : أليس الحزب حزبي و أنا من يقرر خطه السياسي ‼‼! هكذا تكون الدكتاتورية أو لا تكون . فماذا يا تري سيفعل بنا لو انتخب أحد رجال الطبقة السياسية الحالية رئيسا بعد كل الذي شاهدنا في هذه المسرحية ؟؟؟ أم أنه سينتصر العقلاء أخيرا داخل أحزاب المعارضة و يبعدوا هذه الطبقة عن صناعة القرار؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
وفي النهاية كم كنت أتمني من المعارضة ممثلة في رموزها التقليديين على الأقل ، أن تكون قد فهمت بواعث و دواعي قيام الربيع العربي ، متمثلا في أولائك الشباب المثقفين و الشجعان و الذين استطاعوا أن يغيروا ما عجزت عنه المعارضات في الدول العربية طيلة عقود من الزمن ، فأسسوا لعقيدة سياسية جديدة بالكامل قائمة على أساس التناوب و المحاسبة و الحكم الرشيد . إن تلك الثورات هي ما دعتني و دعت غيري من الشباب أن يشارك في مسيرة النضال السلمي على الطريقة الموريتانية ، غير أن ما رأيته من عزوف المعارضة عن استلهام روح الثورات و أسبابها ، فإني أهيب بالشباب إلى أن يأخذ دوره بعيدا عن أهداف و نوايا الطبقة السياسية الراهنة.
المهندس: سيد محمد ولد ببكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق