بعيداً عن الرأى السياسى فى ظاهرة الشيخ (يوسف القرضاوى) ، وعلاقاته السرية والعلنية، ودوره فى تنفيذ مخطط قطر والولايات المتحدة والغرب فى تفكيك المنطقة باسم (الثورات العربية) !! ، وبعيداً عن صمت الشيخ عن الاحتلال الأمريكى المعلوم لدويلة قطر التى يحمل جنسيتها وعدم إصداره ولو (فتوى واحدة) ضد قاعدة العديد التى تبعد عن (الفيلا) التى يعيش بها مسافة لا تزيد عن (الكيلو متر) ؛ وبعيداً عن الرأى السائد بين فريق من المحللين ،
عن أن " الشيخ" ، قد فقد – مع كبر السن والمشاكل العائلية – " البوصلة" السياسية التى توجهه فى الاتجاه الصحيح حين يفتى لمصلحة الأمة ، وليس لمصلحة واشنطن وتل أبيب...
وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ، ولمصلحة ملوك الرياض والدوحة الذين لم يسأل نفسه ولو مرة واحدة لماذا هم تحديداً لا يصلهم هذا الربيع العربى رغم الظلم والاستبداد الموثق والمعلوم لأصغر داعية إسلامى ، فما بالنا بمن يضع نفسه فى موقع رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين . ****
(1)
* نقول بعيداً عن كل هذا دعونا نناقش فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوى مناقشة فقهية على قدر علمنا المتواضع قياساً بعلمه الغزير ، نناقشه فى أحدث فتاويه، التى أصدرها قبل أيام والتى أفتى فيها بأن (من حق السوريين أن يطالبوا من دول أجنبية التدخل فى بلادهم) ؛ نناقشه بما يقوله الإسلام ؛ قرآناً وسنة نبوية ، ونحن هنا لسنا سوى ناقلين لآراء العلماء الثقاة ، ولسنا بمبتدعين أو حتى مجادلين الشيخ الجليل ، لأن مقامه لدينا كبير ، ونتمنى عليه أن يعود إلى الحق ، فى هذا المجال ، خاصة وهو بتاريخه السابق على علاقاته الجديدة بأمير دولة قطر المحتلة (قاعدة العديد مثالاً) كان صاحب فتاوى مهمة فى دعم الجهاد الفلسطينى ، فكيف بمن دعم وساند المجاهدين ضد العدو الأمريكى / الإسرائيلى ، يعود اليوم وفى أجواء الخلط المقصود من (النخبة المتأمركة) بين الثورات الحقيقية (مثل ثورة مصر) وبين ثورات الـ C.I.Aوحلف الناتو !! يعود ليفتى بما يخدم هذا العدو الأمريكى / الإسرائيلى ؟! .
بداية معلوم أن الواجب على المؤمنين، أن يكون الله تعالى هو وليهم، وأن يكون بعضهم أولياء بعض، يتحابون ويتناصرون،كما قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ (المائدة: 55) . الله هنا هو الولى وليس الأجنبى يا فضيلة الشيخ .
قال ابن جرير: " القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة: 55) يعني تعالى ذكره بقوله: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره، فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرءوا من ولايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، بل بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا " [جامع البيان في تأويل آي القرآن (6/287)] ، ومعلوم كذلك حرمة موالاة المؤمنين لأعداء الله الكافرين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة: 51).
قال القرطبي : " قوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ أي: يعضدهم على المسلمين فَإِنَّهُ مِنْهُمْ بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أُبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة.
وليتأمل معنا فضيلة الشيخ القرضاوى هذا الحديث النبوى الكريم عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها قالت : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر ، فلما كان بحرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت لأتبعك وأصيب معك . قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تؤمن بالله ورسوله) ؟ قال : لا ، قال : (فارجع فلن أستعين بمشرك) ، قالت : ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة ، أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة ، (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال : ثم رجع فأدركه بالبيداء ، فقال له كما قال أول مرة : (تؤمن بالله ورسوله) ؟ قال:نعم.فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فانطلق)"[صحيح مسلم،ح1817]. وعشرات الأدلة من القرآن والسنة لا يتسع المقام،وأنت أعلم بها منى يا فضيلة شيخنا القرضاوى .
****
(2)
* إن الشيخ د. يوسف القرضاوى ، وبدلاً من أن يدعو إلى المصالحة والحوار ودرء الفتن ، إذ به مثل أميره (حمد بن جاسم) ، يستدعى الأجنبى ويفتى له ويبرر جرائمه ضد شعوبنا ، وكله باسم (الثورة) ، والثورة براء مما يدعون . هنا يقول العلماء أن من أهم الأهداف التي يتخذ المنتسبون للإسلام .. الكفار أولياء من دون المؤمنين، ظنهم أنهم ينالون من موالاتهم العزة في الدنيا، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (النساء: 139)، وهم لا ينالون في الحقيقة إلا نقيض قصدهم، وهي الذلة، لأنهم طلبوا العزة من غير العزيز الذي لا يملك العزة سواه.
قال القرطبي : "قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الذين نعت للمنافقين، وفي هذا دليل على أن من عمل معصية من الموحدين ليس بمنافق، لأنه لا يتولى الكفار، وتضمنت المنع من موالاة الكافر وأن يتخذوا أعوانًا على الأعمال المتعلقة بالدين، وفي الصحيح عن عائشة ، أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم يقاتل معه، فقال له: «ارجع فإنا لا نستعين بمشرك » [الجامع لأحكام القرآن (5/416)].
وقال ابن كثير: "وقوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً (فاطر: 10)، أي: من كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعًا، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (النساء: 139)، وقال عز وجل: وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (يونس: 65)، وقال جل جلاله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون: 8). [تفسير القرآن العظيم (2/550)].
أما عن تحريم اتخاذ غير المؤمنين بطانة من دونهم : قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (آل عمران: 118).ومعنى قوله: بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ دخلاء من غيركم، وبطانة الرجل وأخلاؤه أهل سره ممن يسكن إليه ويثق بمودته .. مشتقة من البطن لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً أي: فسادًا يعني لا يقصرون في فساد دينكم، والعرب تقول ما ألوته خيرًا، أي: ما قصرت في فعل ذلك به، وكذلك ما ألوته شرًّا، كل حلف فيه ضرر على المسلمين فهو محرم وهذه الرؤية مفصلة فى [التبيان في غريب القرآن].
إن هذه الآيات المحكمة تؤكد خطأ ما أفتى به فضيلة الشيخ (القرضاوى) ومخالفته لصحيح الإسلام ، وإذا ما أضفنا إليها الأوضاع السياسية الراهنة ، واستغلال أمريكا والغرب (للثورات) ولدعوات الإصلاح لخلط الأوراق تمهيداً للاحتلال ، فإن الاستعانة بالأجنبى ، كما أفتى (القرضاوى) تعد مخالفة صريحة ليس لمصلحة الوطن فحسب بل للدين والأمة الإسلامية كلها ؛ لأن مفاسدها أشد من منافعها والشواهد عبر التاريخ القريب ، تؤكد ذلك .
****
(3)
إن الاستعانة بالأجنبى – وفقاً لرأى العلماء الثقاة والأزهر الشريف - خيانة سياسية ودينية ولاشك فى ذلك ، واستسهال بعض الفقهاء مثل (القرضاوى) لفكرة الاستعانة بالأجنبى لدعم الثورات العربية (كما فعل وطالب بالنسبة لسوريا) تعد فى نظر الفهم الإسلامى الصحيح ، طعناً للدين ومخالفة صريحة لنصوص القرآن وأحاديث وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وهى تستوجب منه الاعتذار ، إن لم يكن (التوبة) ، لأن العدو (الإسرائيلى والأمريكى هنا) هو الوحيد المستفيد من مثل هذه الدعوات والفتاوى .
* على أية حال دعونا نسأل فى نهاية دراستنا : ماذا عن رأى الشرع خاصة فى تحالف المسلمين مع أعداء الأمة من أجل مصالح رخيصة كما هو الحال الآن فى بعض ثورات الـ C.I.Aفى المنطقة ، يقول العلماء : إن الحلف وفقاً للفهم الإسلامى قسمان:
القسم الأول :حلف لا يخالف شرع الله، بل يحقق مصالح للمسلمين وغيرهم، كحلف الفضول الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:«لو أدعى به في الإسلام لأجبت» ولكن الشرط الأساسى فيه هو العدل ودفع العدوان وهو أمر غير متوفر فى تاريخ علاقاتنا بالغرب منذ مائتى عام (فلسطين مثالاً) ، وبالتالى لا يجوز هنا القياس عليه أو الاستشهاد به ، أما القسم الثانى فهو الحلف الذي كان معمولاً به في الجاهلية، حيث يختص بتعاقد المتحالفين على التناصر على الحق والباطل، وعلى التوارث بينهم دون الأقارب، وكذلك التوارث بالهجرة، الذي كان معمولاً به في المدينة بين المهاجرين والأنصار، عندما آخى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الله تعالى ذلك، ورد الإرث على الأقارب، كما فصل ذلك في سورة النساء، وأبقى تعالى بين المهاجرين والأنصار وكافة المؤمنين، التناصح والتناصر والمواساة. والذي نسخ التوارث بين غير الأقرباء، قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنفال: 75).
قال أبو بكر الجصاص: "قال الله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ (النساء: 33)، فلم يختلف المفسرون أنهم في أول الإسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف دون النسب، وهو معنى قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إلى أن جعل الله ذوي الأرحام أولى من الحليف بقوله: وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ[الأحزاب: 6]. فقد كان حلف الإسلام على التناصر والتوارث ثابتًا صحيحًا.
ويدخل في هذا القسم- الحلف المخالف لشرع الله- دخولا أوليًّا، تحالف بعض المسلمين مع بعض، على ظلم غيرهم من المسلمين أو غيرهم، وأشد جرمًا من ذلك، تحالف بعض المسلمين مع غير المسلمين، على مسلمين، كما يحصل اليوم من التحالف مع دول الغرب والصهاينة على الشعب الليبى والشعب السورى واللبنانى والعراقى والذى يعود بالخسران على المسلمين قال تعالى هنا – يا فضيلة الشيخ القرضاوى - وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2)، أليس الاستعانة بالأجنبى هنا – كما ظهر جلياً فى العراق وأفغانستان ثم ليبيا – قد أدى إلى الاحتلال والمهانة !! .
****
(4)
الخلاصة :إن مقاومة الاستبداد (الجمهورى) و(الملكى) حيث لا فرق يا شيخنا ، بل ربما الأخير – الملكى الذى تعيش فى ظله - أشد قسوة ومهانة وتبعية للمستعمر وفقاً للتقارير الدولية المحايدة ، ويكفيك ما تعلمه أو ينشر عن نظام الكفيل العبودى بها ؛ مقاومة هذا الاستبداد تكون بثورة وطنية داخلية وليس بالاستعانة بالأجنبى لأن المفاسد المترتبة عليه أشد وأخطر (من المنافع) .. نتمنى من العلامة الشيخ يوسف القرضاوى أن يعود إلى الحق ، وهو أهل لهذه العودة بحكم تاريخه السابق المؤيد لفلسطين ، ولا يخدعنك أحد يا شيخنا بأنك بما تصدره من فتاوى متعجلة ؛ تساند ثورات حقيقية ، فهى – باستثناء مصر وتونس – مؤامرات تفكيك للأوطان وتدمير للدين ، إن المؤامرة كبيرة وخطيرة ؛ ونربأ بالشيخ الجليل (القرضاوى) أن تستخدم فتاويه فى تنفيذها .
* ونختم بهذه العبارة لعالم ومجاهد جزائرى كبير ضد الاحتلال الفرنسى يعرفه ولاشك الشيخ القرضاوى ، وهو (عبد الحميد بن باديس) حين قال : [ والله لو طلبت منى فرنسا أن أقول لا إله إلا الله .. لما قلتها ] وأظنك يا شيخنا الجليل تدرك معناها وتفهم مراميها أكثر منا ؛ هدانا الله وإياكم إلى " الحق " قولاً .. وفعلاً !! والبعد عن (بلاط) ملوك الفتنة أمثال " حمد " و"آل سعود" الذين قال فيهم المولى وقوله الحق (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، وكذلك يفعلون) صدق الله العظيم.
بقلم د . رفعت سيد أحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق