أهلا بكم

الأحد، 2 أكتوبر 2011

جدوى حرية الإعلام

الكل يتحدث عن حرية الإعلام في بلدنا بمناسبة تحرير مجال السمعيات البصرية, و الذي يعدونه خطوة مهمة في سبيل ترسيخ الديمقراطية و حرية الرأي و التنمية الحقيقية التي يحتاجها بلدنا . و هي بالفعل خطوة مهمة إذا اتخذت الشروط المناسبة لها و لنجاحها .
يعد مبدأ حرية التعبير مبدأ أساسيا في جميع الديمقراطيات الحديثة حيث تقدس هذه الديمقراطيات هذا المبدأ و لا تقبل المساس به , فلا يمكن لأي كان أن يحاسب على آرائه و أفكاره ما دامت لم تتعد الحدود القانونية , فالدستور يضمن حرية الرأي للجميع و لا يقبل متابعة الناس على آرائهم و أفكارهم مهما كانت و مهما عبر عنها .
من هنا أكتسبت وسائل الإعلام أهميتها و اضطلعت بالدور المنوط بها باعتبارها سلطة رابعة تراقب و تساير جميع ما يجري في حياتنا العامة و الخاصة , و تفضح كل الممارسات الخارجة عن القانون أو الأخلاق و لعلنا لا ننسى دور الإعلام في إسقاط حكومات كثيرة و رؤساء و شخصيات... عامة ارتكبت أغلاط بسيطة أحيانا إلا أن الإعلام لم يتهاون معها و شن ضدها حملات سقطت إثرها , و ما قصة ستروس خان مدير صندوق النقد الدولي ببعيدة منا و الذي أسقطته عاملة تنظيف من غينيا لأنه كلمها كلاما يوحي بالمغازلة , و رغم بساطة العاملة و كبر شأن الرجل إلا أن ذلك لم يشفع له و و قبله اكلينتون و مونيكا ألونسكي و فضيحة ووتر غييت , من الفضائح التي كشفها الإعلام و سايرها حتى تمت محاسبة مرتكبيها . لقد قام الإعلام بدوره لكن المؤسسات الديمقراطية الأخرى قامت بدورها من محاسبة و التحقيق مع من قدمه الإعلام لها و لم تسامح أو تهمل أحدا لوظيفته أو مرتبته مهما كانت .
أما في بلادنا فتوجد وسائل إعلام و إعلاميين يحاولون لعب الدور المنوط بهم دون جدوى , فعندما يتابع إعلامي قضية معينة و يحقق فيها و يقدم معلومات و وثائق تشير إلى وجود أخطاء جسيمة , فإن ذلك لا يحرك ساكنا لا في الدوائر الحكومية المسؤولة و لا لدى الرأي العام الوطني , و كأن مصلحة البلد لا تعني أحدا , و كأننا لسنا في دولة تضطلع فيها المؤسسات الرقابية بدور مهم في مراقبة و تسيير الشأن العام .
لقد قدم برلمانيونا تحقيقات و وثائق عن فضائح مالية كثيرة و نقلت التلفزة الوطنية الجلسات بحضور بعض المعنيين , دون أن يرق جفن لهم في تحد سافر للمجتمع و القانون و الدولة ككيان , و ظلت المؤسسات المسؤولة عن هذه الفضائح خرسى كأن الأمر يحدث في دولة أخرى .
لهذه الأسباب صار الرئيس و الوزير و المنتخب يطلقون وعودا أمام الشعب كله , و ينكثون بوعودهم دون رقيب أو حسيب , و صاروا يستولون على مقدرات الشعب و أرزاق العباد و البلاد دون خجل أو وجل , بل و يتفاخرون أمامنا بالنزاهة متناسين أننا كلنا ( أهل أتويميرت ) . و الأدهى من هذا أنهم دجنوا السلطة الرابعة و حولوها إلى سرك من المشعوذين و المطبلين لمن يدفع أكثر . و لعل حوارات تلفزتنا الوطنية و نشراتها أقوى دليل على الدرجة التي وصلها إعلامنا الوطني و كذلك ما تخطه أقلام مثقفينا من مديح لكل ما يتعلق بالسلطة , و الاستعداد الفطري لدى بعضهم للدفاع عن كل ما تقوم به الحكومة حتى قبل أن يعرف كنهه أو مضمونه .
في وضعية كهذه لا أظن تحرير السمعيات البصرية سيكون ذا جدوى على البلد و الشعب , بل إنه سيكون مجرد زيادة لسيرك المشعوذين , أو إنه سيكون فتح مجال لكل قبيلة و فرقة للحصول على وسائل إعلامها الخاصة , و لا استغرب إذا شاهدنا قريبا وسائل إعلام وطنية تغطي النشاطات القبلية , و الزيارات العائلية و الأعراس ور حلات شهر العسل . من أجل أن يكون لنا إعلام وطني لابد أن نحدد له دورا و أن نساعده على القيام بدوره , و أن ننظفه من الشوائب التي لحقت به , ضمن تراكمات الردائة التي يبدو أنها تنخر جسم البلد كله . و أن نعرف أن الحرية لا تجدي دون مسؤولية و التزام .
محمد سالم ولد الشيخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق